يختبر إحياء ذكرى أحداث «محمد محمود» في مصر غداً، العلاقة بين الحكم الموقت، خصوصاً الجيش ووزارة الداخلية، والقوى الثورية التي دعت إلى فعاليات عدة لإحياء ذكرى الاشتباكات التي سقط فيها عشرات القتلى في الموعد نفسه العامين الماضيين إثر اشتباكات بين الشرطة ومتظاهرين. وكثفت وزارة الداخلية استعداداتها للذكرى التي يحمّلها قطاع كبير من الثوار المسؤولية عنها، فيما تسعى جماعة «الإخوان المسلمين» إلى استغلال المناسبة لتأليب قطاعات من الثوار على الحكم الجديد، على رغم أن الجماعة لم تشارك في التظاهرات التي اندلعت في التحرير وشارع محمد محمود في 19 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 واعتبرت المشاركين فيها «بلطجية»، كما أنها كانت في الحكم في الذكرى الأولى التي سقط فيها قتلى وجرحى. وكانت اشتباكات دموية اندلعت بين آلاف المتظاهرين وقوات الشرطة واستمرت أياماً في تشرين الثاني 2011 في شارع محمد محمود المؤدي إلى مبنى وزارة الداخلية والمطل على ميدان التحرير قُتل فيها عشرات المتظاهرين. وانتقدت جماعة «الإخوان» آنذاك التظاهرات واعتبرت أنها تهدف إلى «إفساد الانتخابات» البرلمانية التي فازت فيها. وبدا أن تظاهرات إحياء ذكرى الأحداث هذا العام ستكون مختلفة، إذ تأتي وسط تشييد الحكم نصباً تذكارياً في الحديقة الوسطى في ميدان التحرير، يقابله سرادق للعزاء نُصب أمس في حراسة قيادات من وزارة الداخلية، لاستقبال المعزين في ضحايا الأحداث. ورسمت أجهزة الحكم علم مصر على سور طويل مواجه لحديقة الميدان وزينته بصورتين من «ثورة 25 يناير» وتظاهرات 30 حزيران (يونيو) الماضي. وسعت الحكومة إلى استرضاء الثوار الذين كثفوا مطالبهم بالقصاص للشهداء، ما يعني عملياً إخضاع قيادات في الجيش والشرطة للمحاكمة، عبر قرار لرئيس الوزراء حازم الببلاوي أمس باعتبار ضحايا أحداث محمد محمود الثانية ومن لقي حتفه من الصحافيين خلال تأدية عمله في تلك الأحداث «شهداء ثورة» وأن «يعاملوا معاملة شهداء ثورة 25 يناير». ولم يُحاكم أي شخص في أحداث محمد محمود الأولى أو الثانية إلا ضابط يُدعى محمود صبحي الشناوي اشتهر بـ «قناص العيون» بعدما انتشر مقطع مصور له وهو يقنص عيون المتظاهرين ببندقيته قرب وزارة الداخلية. وبدا أن الحكم الموقت يسعى إلى إفشال محاولة «الإخوان» استغلال الأحداث لجذب معارضين للنظام الحالي، فناشدت الحكومة المواطنين توخي الحرص الشديد والحذر خلال مشاركتهم في فعاليات إحياء ذكرى محمد محمود. وقالت في بيان: «إن بعض الجماعات (في إشارة إلى جماعة الإخوان) تنوى الدفع ببعض عناصرها للاندساس وسط المتظاهرين، من أجل الترويج للإشاعات وإثارة الفتنة والتحريض على العنف ضد قوات الشرطة والجيش، والتعدي على الممتلكات العامة والخاصة والمنشآت الحكومية». وسعت وزارة الداخلية إلى استرضاء الثوار عبر تعزية أهالي قتلى الأحداث. وقالت في بيان: «إنها تقوم بدورها في حماية مقدرات الوطن وتضحي بزهرات شبابها من أجل أمنه واستقراره وأمان أبنائه»، مؤكدة «احترامها لإحياء ذكرى جميع الشهداء تخليداً لدورهم في مسيرة العمل الوطني». وأوضحت أنها اتخذت «الإجراءات اللازمة لتأمين المشاركين في إحياء ذكرى الأحداث»، داعية إلى «الانتباه واليقظة حتى لا يندس بينهم من يكدر سلامها أو يحيد بها عن أهدافها». وقدمت الوزارة «تعازيها لكل شهداء الثورة الذين سالت دماؤهم الزكية لتروى شجرة النضال الوطني». وبدا أن الشرطة تسعى إلى عدم الدخول في مواجهات مع قوى ثورية، ستستغلها جماعة «الإخوان» بالقطع في مواجهتها الحكم الجديد. وانتشرت قوات من الجيش والشرطة في محيط الميدان وكثفت وجود أفرادها وآلياتها عند مختلف مداخل الميدان. لكن قوى ثورية عبرت عن رفضها وغضبها من عدم محاكمة المسؤولين عن قتل المتظاهرين. وانتقدت إقامة سرادق عزاء في ميدان التحرير تحت حراسة وزارة الداخلية. وقال الناطق باسم «التيار الشعبي» حسام مؤنس لـ «الحياة»: «إن إقامة هذا السرادق تصرف مستفز... ليس وظيفة الشرطة تقبل العزاء. عليهم فقط تأمين التظاهرات ومحيط الوزارة وتطهير جهازهم وتقديم المسؤولين عن القتل إلى المحاكمة». وأوضح أن «التيار الشعبي يفضل عدم التظاهر في التحرير والاكتفاء بفعاليات شعبية أمام منازل الشهداء مثلاً، لتجنب الوقوع في أخطار المواجهة مع الشرطة أو الدخول في صدامات مع تيارات سياسية». وطالبت الناشطة السياسية منى سيف بمحاكمة وزيري الداخلية الحالي محمد إبراهيم والسابق أحمد جمال الدين لمسؤوليتهما عن القتل. ودعا حزب «الدستور» الشباب إلى «عدم إتاحة الفرصة لمحاولات العابثين لاستغلال أحداث محمد محمود في المعارك السياسية والمصالح الحزبية الضيفة». وقال في بيان: «فليكن الوطن وسلامة الوطن وأمن الوطن هو هدفنا ومقصدنا، ولنتصدَّ بسلميتنا ووقفتنا الوقورة لكل المحاولات التي تهدف إلى التفرقة بين الشعب وجيشه. ولنكن على حذر من أولئك الذين يريدون تفجير الأوضاع في ذكرى محمد محمود لتحقيق مكاسبهم السياسية التي هي أبعد ما تكون عن مصلحة الوطن والثورة». من جهة أخرى، واصل طلاب جماعة «الإخوان» التظاهر في الجامعات، واقتحم عشرات منهم البوابة الرئيسة لجامعة عين شمس أمس، ما استدعى تدخل قوات الشرطة بعد طلب من إدارة الجامعة للسيطرة على اشتباكات اندلعت بين طلاب «الإخوان» من جهة ومعارضيهم والأمن الإداري من جهة أخرى. ونظم مئات من طلاب «الإخوان» في جامعة الأزهر تظاهرات للاحتجاج على أحكام قضائية صدرت ضد زملائهم. وتظاهر آخرون أمام مشيخة الأزهر. كما تظاهر مئات الطلاب في جامعة الزقازيق احتجاجاً على توقيف زملاء لهم.