×
محافظة الرياض

بروفايل .. من دخنة الى أرقى الأحياء

صورة الخبر

شهد يوم 15 يوليو 2015 اتفاقاً مهماًوافقت فيه الدول أعضاء تجمع بريكس البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا على إنشاء بنك للتنمية، الذي تم اقتراحه للمرة الأولى في عام 2012. وفي 21 يوليو 2015 شهدت شنغهاي حفل التدشين الرسمي للبنك. واسم البنك: بنك بريكس الجديد للتنمية، فما الجديد الذي سيأتي به؟ وهل يحل محل آخر قديم؟ سيتيح بنك بريكس للتنمية الموارد المالية اللازمة لإنشاء مشروعات بنية تحتية بهدف تحقيق تنمية مستدامة. وتنفذ تلك المشروعات على أراضي الدول الأعضاء أو الدول النامية أو الدول الصاعدة الأخرى بما يحقق تكاملاً مع الجهود المبذولة في هذا المجال من قبل المؤسسات المالية الدولية الأخرى. سيقدم البنك قروضاً ويدعم القطاعين العام والخاص كما يقدم الدعم الفني للمشروعات التي سيمولها. عضوية البنك حتى الآن للدول المؤسسة وهي الدول الخمس أعضاء بريكس. لكن العضوية - وفقاً للاتفاق المنشئ للبنك - مفتوحة لجميع الدول أعضاء الأمم المتحدة. أما رأس المال المبدئي للبنك فهو 50 مليار دولار، موزعة بالتساوي على الدول الأعضاء، ورأس مال مصرح به قدره 100 مليار دولار.. المقر الرئيسي للبنك مدينة شنغهاي الصناعية في الصين. ويدخل الاتفاق المؤسس للبنك حيز النفاذ فور استيفاء جميع الدول لإجراءات الموافقة والتصديق عليها داخلياً. التصويت على قرارات البنك تكون بالأغلبية العادية ولا يوجد ما يسمى حق الاعتراض المنفرد لإحدى الدول الأعضاء أو ما يعرف بالفيتو في مجلس أمن الأمم المتحدة. والبنك تم إنشاؤه لدعم التعاون المالي والتنموي بين الدول الخمس أعضاء بريكس استناداً للقوة السكانية التي تمتلكها الدول الأعضاء والمساحة التي تشغلها على الكوكب علاوة على أنها تمثل أكثر من ربع الناتج المحلي الإجمالي في العالم. تم انتخاب رئيس هندي للبنك وهو كاماث الذي عمل من قبل لدى البنك الآسيوي للتنمية، وحصل على لقب أفضل رجل أعمال بآسيا من مجلة فوربس، وذلك في عام 2007، وقد ترأس بنكاً في الهند لمدة 13 عاماً حتى أصبح ثاني أكبر البنوك الهندية، وهو بنك ينتمي للقطاع الخاص. ومن المقرر أن يتم انتخاب رئيس البنك من بين مواطني الدول الخمس المؤسسة وبالتناوب بينها، ويعين له نائب من مواطني دولة أخرى، وهكذا. ولا يمكن فهم التطور الحادث والمتمثل في بنك بريكس بمعزل عن تطورات أخرى مماثلة وقريبة زمنياً واجتمع فيها العنصر الصيني، وتلك التطورات كالتالي: في مايو 2015، دشنت الصين صندوق طريق الحرير بقيمة 16 مليار دولار الذي سيركز على التعاملات بالذهب لتقليل الاعتماد على الدولار وتخفيف آثار الربط الآلي بين التغير في سعر الدولار وتغير أسعار الذهب عالمياً، الصندوق يأتي أيضاً كأداة لإنعاش التجارة العالمية، ووفقاً لتحليلات صينية قد يؤدي الصندوق إلى تعاملات إضافية بنظام التجارة العالمية بحوالي 2 ونصف تريليون دولار على مدار 10 سنوات قادمة، خاصة إذا تم التعامل من خلال الصندوق لتمويل مشروعات كبرى في البنية التحتية في مجالات المواصلات والطاقة. التطور الآخر العام للغاية، تمثل في إنشاء البنك الآسيوي للبنية التحتية الذي تم توقيعه في 29 يونيو 2015 بمشاركة 50 دولة كبرى ومتوسطة ونامية وعربية منها مصر والأردن وقطر وبمساهمة صينية 30% من إجمالي أسهم البنك، فيما غابت كل من الولايات المتحدة الأمريكية واليابان عن عضوية البنك الناشئ. بالعودة لبنك بريكس، موضوعنا اليوم، وبربطه بتلك التطورات سنجد أن الساحة المالية العالمية تشهد تطورات متسارعة تقودها الصين التي تقدم للنظام الدولي نمطاً جديداً من القوى العظمى الآخذة في التشكل، بما يعكس القيم الآسيوية، فالقيادة الصينية ليست صدامية ولا متسرعة وليست ساعية للانفراد بل هي تعاونية وتعيد دائماً تأكيد احترام الثوابت، وتنتهج التدرج في كل التحركات السياسية والاقتصادية كالعنكبوت ينسج خيوطاً، تلك التحركات أيضاً تنم عن ذكاء وحنكة في التعبير عن المصالح مع تأكيد- دائماً- أهمية البعد الإقليمي. والمقصود بالذكاء في التعبير عن المصالح أن الصين- وبقية أعضاء بريكس- يسعون لإضافة أداة جديدة مالياً، لكنها لا تقدم بديلاً للأدوات الدولية الأخرى، حتى إن الموقع للموقع الرسمي لبنك بريكس الناشئ لم يذكر أن البنك يأتي كبديل للمؤسسات المالية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة، وتحديداً البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. بمعنى آخر، فعلى الرغم من أن بنك بريكس يمثل مرحلة جديدة من التكتلات عبر الإقليمية التي لا تعرف التجاور الجغرافي ولا تعرف القيود المالية، لكنها تأتي لتضيف لما هو موجود ولا تحل محله، وإلا لماذا لم ينص قانون بنك بريكس على أن يكون رأس ماله المصرح به بعملة غير الدولار؟ أيضاً بعد يوم واحد من الاتفاق على بنك بريكس، وتحديداً في 16-07-2015، وجدنا الصين تدشن أول صندوق ائتماني للبنك الدولي لإنهاء الفقر وتشجيع التنمية ووقع الاتفاق الخاص بالصندوق رئيس البنك الدولي كيم ووزير المالية لو جيوي. وبإجراء مقارنة سريعة بين حجم وإمكانات البنك الناشئ والبنوك الدولية الأخرى سنجد أن مجموعة البنك الدولي تتألف من خمس مؤسسات: البنك الدولي للإنشاء والتعمير، المؤسسة الدولية للتنمية، مؤسسة التمويل الدولية، الوكالة الدولية لضمان الاستثمار، المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار، وبلغ مجموع التدفقات الرأسمالية الصافية الإجمالية (الدين والملكية) في البنك الدولي 1200000000000 دولار أمريكي في عام 2013، بزيادة 11 في المئة عن 2012 بسبب الارتفاع الكبير في تدفقات الديون الصافية والاستثمار الأجنبي المباشر والمرونة النسبية للأدوات المالية التي يطرحها البنك. أيضاً رأس مال البنك الآسيوي للتنمية وصل إلى 165 مليار دولار في 2015، وفي بداية عام 2015 كانت محفظة القروض لبنك التنمية الإفريقي لعام واحد 21 مليار دولار تتاح بعدد من العملات وصل إلى 18 عملة، وأخيراً بنك التنمية الإسلامي، رفع في 22 مايو 2013 رأس المال المصرح به للبنك ثلاث مرات ليصبح 150000000000 دولار أمريكي. وهي أرقام تشير إلى الفارق الكبير في الإمكانات المالية والأدوات بين البنك الناشئ والبنوك الموجودة. يبقى لنا النظر للتصنيف الائتماني والتواجد بالمنظمات الدولية، وتكفي الإشارة إلى أن البنك الإسلامي للتنمية يواصل الحصول على أعلى التصنيفات الائتمانية من AAA من قبل وكالات التصنيف الرئيسية. وتملك السعودية حوالي ربع رأس المال المدفوع للبنك، كما أن البنك الإسلامي للتنمية هو مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي عوامل يفتقدها البنك الجديد على سبيل المثال لا الحصر. وبالتالي لا يجب التضخيم (ولا التقليل كذلك) من حجم التطور الذي مثله إنشاء بنك بريكس الجديد للتنمية. وهو في الواقع - أي إنشاء البنك - تعبير صريح عن رغبة الاقتصادات الصاعدة- وعلى رأسها الصين- في أن تكون لها أدواتها المالية التي تحقق لها القيادة في الإدارة وتتيح لها حرية أكبر في تنفيذ مشروعات كبرى من خلال شركاتها بعيداً عن إجراءات المناقصات الدولية المفتوحة التي تشترطها مؤسسات تمويلية كالبنك الدولي. في الوقت ذاته، فالبنك الجديد لا يزال وليداً يفتقد الخبرات الطويلة التي تتمتع بها البنوك السابقة عليه. وكما هو الحال بالنسبة للمنظمات الإقليمية الاقتصادية نجد تكتلات اقتصادية هنا وهناك وتظل الأمم المتحدة المنظمة المظلة الجامعة لجميع الدول، والأمر كذلك على الساحة المالية، فالبنك الدولي هو أمم متحدة المنظمات المالية الدولية، إن جاز التعبير، والصين عضو والدول الأخرى أعضاء بالبنك الدولي، ولكن ذلك لا يمنع جدوى إنشاء عدد آخر من البنوك الإقليمية وعبر الإقليمية الفاعلة. وختاماً، فالبنك سيبدأ عمله خلال عام تقريباً ولا يزال اتفاق تأسيسه في انتظار الحصول على الموافقات الداخلية بحكومات الدول الأعضاء، ومن ثم، لا يزال الوقت مبكراً لتقييم بنك بريكس الجديد للتنمية أو للحديث عن مدى صلاحية البنك الجديد ليكون منافساً حقيقياً لمنظمات مالية إقليمية أو دولية ظلت تحكم النظام المالي العالمي لسنوات طويلة، وبعملة واحدة تقريباً وهي الدولار الأمريكي، وإذا علمنا أن الصين تأتي ضمن أكبر الدول الحاملة للسندات الأمريكية، لأدركنا أن قوة الدولار الأمريكي أساس لحفاظ الاقتصاد الصيني على قوته، حتى إن بدأت الصين التعامل دولياً بعملتها، اليوان.