يكاد لا يمر شهر من دون أن تقع حادثة مروعة في مصر، إما حريق في قطار أو غرق مركب أو سقوط بناية أو صدام بين حافلتين أو تسمم تلاميذ في مدرسة، ناهيك بالطبع عن جرائم الإرهابيين التي تستهدف إسقاط الدولة والثأر من الشعب الذي أطاح حكم «الإخوان». الحياة ليست وردية في مصر التي لا تعاني فقط من إرهاب يضرب كثيراً في سيناء وأحياناً في مدن أخرى أو من «إخوان» نزع الشعب عنهم السلطة فتحولوا إلى طالبي ثأر من الجيش والشرطة ومؤسسات الدولة وكذلك الشعب. مصر تعاني اقتصاداً متدهوراً بفعل سياسات خاطئة على مدى عقود يحتاج إلى علاج طويل الأمد وإجراءات سريعة لتخفيف أوجاعه على أبنائها، وإهمالاً جسيماً في إدارة مرافق الدولة بفعل سنوات ركود غابت فيها محاسبة المقصرين وجرى خلالها تطبيق القانون بحسب الظروف أو مكانة مخالفي القانون وعلاقاتهم، وتتألم مصر جراء فساد تسرطن في أرجائها بين غالبية مستويات الإدارة بل تحول إلى أسلوب للعيش والحياة والتعامل وسط قطاعات واسعة بما جعل القضاء عليه يهدد في بعض الأحيان ضرب البنية التحتية للدولة وأساسها. وإذا كان القضاء على الإرهاب يحتاج إلى بعض الوقت والمعركة مع «الإخوان» تستلزم نفساً طويلاً حتى تستقر الأمور وينتهي الإرهاب ويرتدع «الإخوان»، فإن التعافي من التراجع والإهمال والفساد سيواجه بمقاومة من جانب الذين استفادوا وما زالوا من تدهور أحوال البلاد وبنوا ثرواتهم ومواقعهم ونفوذهم على حساب غالبية أفراد الشعب ويعتقدون أن كل تطوير نحو الدولة سيهز أوضاعهم ويربك حساباتهم ويطيح بهم من الواجهة. هناك أيضاً البسطاء الذين وجدوا في الخروج على القانون وسيلة للعيش فشيدوا بيوتهم البسيطة على الأراضي الزراعية وخربوا أحياءً ومدناً لم تعد تحتفظ بالحد الأدنى من النظام، وهناك موظفون حكوميون رتبوا ظروفهم واستقرت حياتهم على أساليب تضمن لهم دخولاً إضافية خارج رواتبهم سواء بطرق مشروعة أو غير مشروعة بقبول الرشوة، إضافة إلى مئات الآلاف من العاطلين الذين وجدوا في مهن طفيلية حلولاً لأزماتهم فأضروا بالمجتمع الذي كان أضر بهم. في ظل تلك الأوضاع والأجواء والظروف يصبح غرق مركب في النيل يحمل عشرات كانوا يتنزهون أمراً وارداً لأن صاحب المركب حمل على متنه أعداداً تزيد عن حمولته الطبيعية ليربح أكثر. دعك هنا من استغلال «الإخوان» والناشطين للحادثة للإساءة إلى السيسي ونظام الحكم فتلك أمور صارت من فولكلور «الإخوان» في مصر. المهم أن التغاضي عن تطبيق القانون أصبح آفة مصرية تحتاج إلى إجراءات، بمجرد أن تتخذ الدولة بعضاً منها تتعرض للهجوم من «الإخوان» والناشطين باعتبار أنها تحارب الناس في «أكل العيش» ولا تعبأ بهموم المواطن البسيط! إضافة إلى قناة السويس الجديدة والنجاح المذهل في تطوير شبكة الطرق والقضاء على مشكلة انقطاع الكهرباء وتطوير آليات توزيع الأغذية المدعمة، وكلها إيجابيات تحققت خلال سنة من حكم السيسي، فإن الرئيس ونظام الحكم مطالبان بالمزيد لتتجاوز مصر عثرتها، لكن الجهاز الإداري للدولة مترهل وينخره الفساد ويظهر عجزه مع كل حادثة كبيرة أو كارثة مفاجئة. الفارق هنا أن الناس، رغم المعاناة المتنوعة، صارت ترى أضواء في نهاية الأنفاق، وتدرك أن التصدي لعنف «الإخوان» ضروري، وأن لا تهاون في مواجهة محاولات إسقاط الدولة، وأن تلك التحديات ترغم الناس على التعايش مع حوادث ناتجة عن الإهمال والفساد وليست مجرد كوارث طبيعية. ولكن رغم كل معاناة وكل حادثة فإن المصريين يعيشون في دولة كانت مهددة بأن تقسّم أو تباع ... وسيظلون لفترة يسددون ثمن بقائها!