ما يشغل بال أسواق المال العالمية اليوم ليس مآل الأزمة اليونانية ولا تقلبات سوق أسهم شنغهاي ، بل إنما دورة معدلات الفائدة الأمريكية. فقد سجل الدولار كسباً جديداً كعملة معيارية عالمية ليس في حساب القيمة فحسب، بل كوعاء لحمل مختلف أصناف الأصول المالية ونقلها. وبالتالي لا يمكن لأي اقتصاد في العالم تجاهل ما يطرأ على السياسة النقدية الأمريكية. ومنذ أن خفضت أسعار الفائدة الأمريكية إلى حدود الصفر عام 2008 لا يزال العالم كله يعيش رهانات متفاوتة حول موعد عودتها إلى حدودها الاعتيادية. لكن مؤشرات قرب ذلك الموعد بدأت تتزايد مؤخراً سواء من أسواق المال أو من البيانات الاقتصادية أو تلميح المسؤولين بأن تحركاً ما لابد أن يتم خلال الأشهر القليلة المقبلة. ويمكن رؤية واحدة من أهم البشائر في أسعار الذهب الذي سجل أدنى مستوى له منذ خمس سنوات ليصل سعر الأونصة إلى 1088 دولاراً. ولم تعد السبيكة من وجهة النظر المالية ، عنصراً مهماً في حسابات البنوك المركزية التي اعتادت على كنز خزائن منها كضمان للاستقرار. لكن الذهب لا يزال يمثل الكثير لدى الحديث عن المزاج العام . فقد تزامن ارتفاع سعر الأونصة إلى حدود 1900 دولار مع اهتزاز ثقة المستثمرين في النظام المصرفي العالمي والحكومات إبان الأزمة. وحافظ الذهب على ارتفاع أسعاره طوال الفترة التي عجزت فيها الحكومات عن استعادة معدلات النمو الاقتصادي المطلوبة . واليوم لم يعد المستثمرون، حتى مع وجود احتمالات التضخم وعدوى انتقال الأزمات ، يشعرون بأن هناك فائدة من حيازة أطنان من المعدن الأصفر. ونتج تذبذب سعر الذهب مؤخراً عن عوامل ذاتية منها الكشف عن حجم احتياطيات الصين منه التي جاءت أدنى من التوقعات . إلا أن بعض مؤشرات الثقة لا تخطئها العين. فقد تسبب الخلاف بين اليونان ومقرضيها منذ عام 2012 في تقلص حجم التداول في أسواق السندات الأوروبية. أما اليوم فتشهد ارتداداً لافتاً. وردة فعل الحكومة الصينية حيال ما أصاب أسواق أسهمها كان سريعاً. ورغم فقدان مؤشر شنغهاي 30% من قيمته استمر مؤشر إس أند بي 500 في تحقيق المكاسب . وتتلاشى مبررات رفع أسعار الفائدة استناداً إلى أداء الاقتصاد الأمريكي . ومن أبرز مؤشرات ذلك الأداء استعصاء معدلات التضخم على الارتفاع. ويجهد المسؤولون في البنوك المركزية أنفسهم لتوضيح الفرق بين التضخم الإيجابي الناتج عن مخزون واسع من المنتجات ، وذاك التضخم السلبي الذي ينتج عن ضعف مؤشرات الإنفاق . وكان الحديث طوال العام الماضي يدور حول الصنف الأول وسط تراجع أسعار النفط وغيره من السلع الاستراتيجية ما منح الاقتصادات المتقدمة زخماً إضافياً . إلا أن معظم مؤشرات التضخم الاسمي الفرعية تراجعت مجدداً. وتساعد الدروس المستفادة من التجارب السابقة خاصة الحديثة منها، في تجاهل سبب آخر للتأجيل ألا وهو مخاطر التضخم على الأجور الضعيفة. وتشهد الاقتصادات الأسرع عودة الزيادات في الأجور إلى مستوياتها العادية . ونتيجة لذلك تفسر مؤشرات تراجع أسعار النفط إيجابياً لصالح النمو. وشهدت الولايات المتحدة وبريطانيا مؤخراً تحولاً تدريجياً لصالح فكرة التحرك السريع . ورغم أن الاحتياطي الفيدرالي وبنك إنجلترا لا يتسابقان على رفع أسعار الفائدة ، يظهر القائمون عليهما ميلاً قوياً لمناقشة خطوة الرفع الأولى.