ينطلق سوق عكاظ قريباً في محافظة الطائف ليرفع عماداً جديداً في مشروع بناء الإنسان وتنمية المكان، الذي تبناه الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، وعدته عنواناً رئيساً لخطتها الاستراتيجية والعشرية لتنمية المنطقة. ولأن الخطتين الاستراتيجية والعشرية ركزتا على بناء الإنسان، وأقرّت ضمن أهدافها ضرورة الإعداد الجيد للشباب لتحمل المسؤولية، وإعداد وبناء وتمكين قيادات شابة للعمل في القطاعين الحكومي والخاص، تبنى سوق عكاظ تحويل هذا الهدف إلى مشروع عملي يطبق على أرض الواقع. وسجل الشباب من محافظة الطائف ومناطق أخرى حضوراً لافتاً في عضوية لجان سوق عكاظ، وبين ممثلي الجهات الحكومية المشاركة، وفي قائمة أسماء المثقفين والأدباء المشاركين في أنشطته وبرامجه الثقافية والعلمية والتراثية، وكذلك في الفرق المسرحية والفنية. كما يركز سوق عكاظ عبر أنشطته وبرامجه المتنوعة على التعريف بإبداعات الشباب من جهة، وتنميتهم ثقافياً وعلمياً ومعرفياً وإدارياً من جهة أخرى. وتبعاً لذلك، يواصل سوق عكاظ في نسخته التاسعة توجهه لإشراك المجتمع المحلي في محافظة الطائف، وخصوصاً أبناء القرى المجاورة وطلاب الجامعة، في تنفيذ الأعمال التنظيمية في السوق وخدمة الزوار وإرشادهم، تحت إشراف الهيئة العامة للسياحة والآثار. وتختار هيئة السياحة والتراث الوطني سنوياً بين 150 شخصاً إلى 200 شخصاً من أبناء محافظة الطائف لإشراكهم في تنظيم فعاليات جادة عكاظ، من خلال التواصل مع المجتمعات المحلية في القرى المجاورة لموقع السوق، إضافة إلى التعاون مع جامعة الطائف لاختيار عدد من طلابها للعمل في السوق كمتطوعين. وتتكون عروض جادة سوق عكاظ عن مجموعة من الأنشطة المتنوعة التي تحاكي سوق عكاظ التاريخي بواسطة مجموعة من المتخصصن المحترفين، مثل: مسيرة الشعراء، مسيرة الفرسان والخيول والإبل، وهي نماذج من الأنشطة الاجتماعية والثقافية التي كانت تقام في السوق قديماً. كما تشتمل العروض أيضاً على أعمال مسرحية درامية تاريخية متنوعة مسرح الشارع، والتي تمثل جوانب الحياة والأنشطة التي كان يشهدها سوق عكاظ قديماً وتقدم باللغة العربية الفصحى، إضافة إلى عروض أخرى لإلقاء الشعر العربي الفصيح وخصوصاً المعلقات والخطب البلاغية التي بنيت عليها شهرة سوق عكاظ، ويؤدي تلك الأعمال ممثلون محترفون. وفي حين يشارك الشباب المتطوعون في الأعمال التمثيلية في جادة سوق عكاظ، يعمل آخرون على تنظيم حركة الزوار داخل سوق عكاظ عموماً والجادة خصوصاً، عبر تنظيم الدخول والخروج من بوابات السوق، وتنظيم حركة المرور داخله، وتنظيم مواقف السيارات، وتنظيم حشود الزوار داخل الجادة، وتنظيم حركة ذوي الاحتياجات الخاصة، وتقديم خدمات الإرشاد (مثل إرشاد الأطفال التائهين)، والتنسيق مع الشرطة والمرور والدفاع المدني والهلال الأحمر. وتتفق مشاركة الشبان المتطوعين من أبناء القرى المجاورة لسوق عكاظ ومحافظة الطائف وطلاب جامعة الطائف مع رؤية الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، الهادفة لإفادة المجتمع المحلي اقتصادياً واجتماعياً، من خلال بناء خبرات أبناء المجتمع المحلي المحيط بالسوق، ومساعدتهم في تحسين مداخيلهم المالية، وتوفير فرص وظيفية دائمة أو موقتة لهم مستقبلاً، إلى جانب نشر ثقافة العمل التطوعي وتعزيزها. ويؤكد المسؤولون في هيئة السياحة والتراث الوطني على أن أعمال التطوع في سوق عكاظ ، ومشاركة المجتمع في السوق تعكس رؤية أمير منطقة مكة المكرمة لتطوير المجتمعات المحلية وإشراكها في العملية التنموية، مفيدا بأن هذه المشاركة تعتبر أيضاً تنفيذاً عملياً لتوجيهات رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني الأمير سلطان بن سلمان، وضمن اهتمام الهيئة بتطوير دور الشباب السعودي في المشاركة في الأنشطة والبرامج السياحية، وما يحققه ذلك من فوائد كثيرة على المجتمع، إضافة إلى مشاركة أبناء الأهالي الساكنين في محيط سوق عكاظ، مؤكدين أن التجارب السابقة لمشاركة المتطوعين في تنظيم أنشطة وبرامج سوق عكاظ حققت نجاحاً ملحوظاً، لاعتمادها على أسس علمية سليمة، ما شجع الهيئة على تعميم تطبيقها في بقية الفعاليات السياحية التي تشرف على تنفيذها في مختلف مناطق المملكة، وبشكل احترافي، وبالاستفادة من التجارب العالمية المماثلة. وعلى رغم تخصصاتهم العلمية سجل عدد من الطلاب الجامعيون في محافظة الطائف حضورا في تجسيد شخصيات فرسان جادة عكاظ وشعرائها، فبدلاً من مقاعد كليات الطلاب والهندسة والعلوم الإدارية والحاسبات امتطى الشباب صهوة الجياد، وارتدوا ملابسهم التاريخية وجسدوا الشخصيات التاريخية، وبدوا وكأنهم في عصر النابغة والخنساء، وأتقنوا الدور المطلوب منهم أداءا ولغة وما يتطلبه الموقف. وعلى رغم أن الحضور في تجسيد الشخصيات لم يكن مقتصرا على طلاب كليات الجامعة بل أنه توجد مشاركات من طلاب المرحلة الثانوية والمتوسطة ومن شرائح المجتمع الأخرى ومن بينهم موظفين وعسكريين، إلا أن طلاب المرحلة الجامعية استطاعوا الاستحواذ على جملة من الأدوار التي تتطلب مهارات حركية ولغوية ومهارات خاصة في التعامل مع عروض الخيل والقوافل في جادة عكاظ. وعن هذا الحضور، يقول محمد العدواني طالب بالسنة التحضيرية بجامعة الطائف أنه تقمص دور شاعر جاهلي وحفظ عدد كبير من قصائده ليلقياها في جادة عكاظ، وقال العدواني إنه ذو اهتمامات علمية لكنه تفاعل مع حدث سوق عكاظ التاريخي وأخذ يقرأ في كتب الأدب والتاريخ عن هذا الحدث، وخاصة عندما طلب منه أن يقوم ببعض الأدوار التاريخية في جادة عكاظ. ويشير العدواني إلى أن المشاركين معه طلاب من جميع التخصصات ومن بينهم طلاب طب وهندسة وآخرين من كليات الحاسب الآلي والكليات الأخرى مشيرا إلى أن تخصصاتهم العلمية لم تمنعهم من أداء أدوراهم بشكل جيد، مؤكدا أن عدد كبير منهم أصبح معروفا لدى المنظمين ومخرج الجادة الذي يستعين بهم في كل عام. وقال عبد الرحمن العتيبي إن مشاركة الطلاب بمختلف اهتماماتهم وتخصصاتهم في تمثيل أدوار فرسان وشخصيات سوق عكاظ يعتمد على استشعار المشاركين لأهمية هذا الحدث التاريخي الكبير ومساهمة أبناء المنطقة فيه، إضافة إلى اهمية وجود مهارات خاصة في من يرغب المشاركة منها القدرة على تجسيد الشخصيات وتقمصها أدوارها، وكذلك المهارات الخاصة في ركوب الخيل والاستعراض بها مبينا أن كثير من المشاركين في هذا المهام من أبناء المنطقة المجاورة للسوق ولديهم مهارات خاصة في ركوب الخيل وتسيير القوافل، مشيراً العتيبي إلى أن سوق عكاظ أحدث تغييرا في ثقافة شباب المنطقة الذين بدأو يهتمون في البحث في تاريخ شخصيات وشعراء وفرسان سوق عكاظ، وهذا الاهتمام خلق ثقافة مختلفة لدى جيل اليوم الذين كانوا لا يهتمون بالتاريخ من قبل. من جهته، قال المشرف العام على لجنة العمل التطوعي بسوق عكاظ سابقا محمد بن منصور العدواني، إن الشباب الذين جسدوا شخصيات وفرسان سوق عكاظ جلهم من طلاب الجامعة ومن تخصصات مختلفة، مشيرا إلى أن أكثر من 200 شاب كانوا يشاركون في هذه الأدوار المختلفة سنوياً، وقال العدواني إنه يتم اختيار هؤلاء المشاركين بعناية من حيث الطول والسن وسلامة المنطقة وإجادة العربية الفصحى والقدرة على مواجهة الجمهور، ومن ثم يتم اخضاعهم لدورات تدريبية مكثفة في أداء الأدوار واعمال الفروسية مشيرا إلى أن المشاركين استفادوا كثيرا من الفنانين السوريين الذين شاركوهم في أداء الأدوار حتى برز عدد من طلاب الجامعة بشكل لافت وقاموا بادوار رئيسية في جادة عكاظ. ويعتقد العدواني أن سوق عكاظ أسهم في كشف مواهب متعددة من الشباب الذين لا زالوا على مقاعد الدارسة الجامعية، وكان كثير منهم يقومون بذلك تطوعا, مشيرا إلى أن سوق عكاظ أصبح حدثا مؤثرا في ثقافة المنطقة، مستشهدا بالتحول الذي حدث للشباب الذين كانوا يخجلون من مواجهة الجمهور وارتداء الأزياء التاريخية وتحدث الفصحى، إلا أنهم أصبحوا موهوبين في هذا المجال بعد فتح المجال لهم للمشاركة في هذا الحدث التاريخي.