على سبيل المثال.. ليست المرة الأولى التي أرى فيها من يحضر في صدر برنامج ثقافي دون أي ملكة وموهبة. وليست المرة الأولى التي أرى فيها من يحضر برنامجا رياضيا دون أي وعي بفنون الرياضة وأدبياتها. وليست المرة الأولى التي يتحدث فيها أحدهم بانطلاق حتى إذا اتسع وتمدد؛ تداخل في عدة لقاءات وبرامج بمواضيع لم يسبر أغوارها ويطالع أبعادها. الحياة لا تخلو من حضور الأشخاص الذين يرون في أنفسهم القدرة على تمثيل شخصية الجوكر والتواجد في كل أماكن اللعب، سواء كان ذلك بوسائط ظاهرة أو مختبئة إلى حدٍ مكشوف! في التراث تلمع حكم كثيرة، على أهمية وقوف الإنسان عند علمه الذي يتقنه، فقيمة كل امرئ ما يحسن. ومن تكلم في غير فنه أتى بالعجائب. على الحقيقة الحكم في هذا الجانب أكثر من أن يأخذها قانون الضبط والحصر، لكني كلما رأيت أولئك الذين يأتون مستمتعين بالضوء، ويذهبون دون إشعاع حقيقي للحضور والتواجد، أولئك الذين تغلبهم شهوة الكلام أحيانا من أجل الأحدوثة وفعل المشاركة، أولئك الذين يأخذهم الحماس حين يدركون شيئا معينا، ويذهبون مندفعين بأحلامهم إلى منصة النوافذ الضوئية، أولئك الذين تلتصق ملامحهم بجدران المناسبات والمحافل، حين يأتون بالحديث عما يحسنون وما لا يحسنون، أقول: كلما رأيتهم؛ تنوس في ذاكرتي ـ استطرادا ـ وصية ذلك النحات الذي مر به يوما بائع أحذية متجول، فأشار إلى رجل تمثال معروض على أنها أكبر مما يجب، فلما نزل النحات عند ملاحظته، وأصلح ما بالرجل من عيب؛ قام بائع الأحذية منتشيا فأشار إلى عيب آخر في التمثال، إلى رأسه هذه المرة.. فما كان من النحات عند ذلك إلا أن قال له: مكانك يا صاحبي، لا تتعد الحذاء!