كلما قررت أن أسافر لأي وجهة كانت أتذكر أبيات شعر الإمام الشافعي في فوائد السفر وهو يقول: تغرب عن الأوطان في طلب العلى وسافر ففي الأسفار خمس فوائـد تفرّج هـمٍ واكتسـاب معيشـةٍ وعلـم وآداب، وصحبـة مـاجـد ولكن عندما أبدأ في وضع خطة السفر وأتفاجئ بتكاليفه الباهظة وترتيباته المرهقة أشعر بأن الشافعي قد بالغ قليلا فيما يقول على الأقل في ما يخصني ولذلك أقول ردا عليه: أخي لا تسافر... ففي السفر خمسة خسائر، فقدان مالٍ وتوتر نومٍ وانقطاع معيشةٍ وحمل أوزانٍ وكسر أكتافِ. ولكن الحق يقال، فحين أقرر السفر ترتسم على شفاهي بسمة تلقائية فور تحرك السيارة باتجاه المطار... ترى لماذا للسفر هذا السحر، هل بسبب بدئ الاستعداد لنسيان الروتين أم الابتعاد عن ضغوط العمل والمكان أم هو الشوق للقاء الأحبة والخلان أم تراه العشق السرمدي للأوطان؟ هذا هو سحر السفر وفائدته في قدرته العجيبة على تغيير النفوس وبث روح الحياة فيها بالرغم من كل هموم الدنيا ومشاغلها. ومنذ أيام قليلة خلت راودني حلمٌ جميلٌ وهو من أحلام اليقظة المشروعة والقانونية حسب علمي والتي تراودني كثيرا هذه الأيام لرغبتي بحياة متميزة مثلي مثل غيري من البشر. خير اللهم اجعله خير... حلمت بأني أمتلك طائرة خاصة مثل أحد الأثرياء أجوب فيها السماء فوق السحاب وتحت النجوم وأذهب بها حيث أشاء، أدخل تلك البلاد متى أردت ذلك. فكّرت كثيرا في الأماكن التي سأقصدها لو مُنِحت هذه الفرصة وسأقرر حينها زيارة الأماكن التالية: 1. المملكة الأردنية الهاشمية، وطني الجميل بجباله الشامخة وسهوله الخضراء وأهله الطيبون الذي يغمرونني دائما بفضلهم وكرمهم العربي الأصيل. هذا الوطن الذي يظل بظلاله على والديّ حفظهما الله ورعاهما، وهناك بالتأكيد سأمضي أوقاتا مفيدة وممتعة واصلا رحمي وأهلي ثم متنقلا بين الأماكن السياحية من جرش إلى عجلون ثم وادي رم ومدينة البتراء صعودا إلى منطقة أم قيس وغيرها. فالأردن لمن لا يعرفها مهد للعديد من الحضارات العربية والرومانية وغيرها، وعلى أرضه عاشت أقوام وشعوب خلال الحقب الزمانية المختلفة، وطبعا لن يفوتني أن أمر على منطقة البحر الميت لأستجم فيه وآخذ حماما طينيا يذيب الدهون التي بدأت تتراكم على جسدي هنا وهناك على أمل أن أعيد له بريقه وشبابه. وقد باشرت فعلا بهذه الرحلة ومقالي هذا قد كتبته في عمّان حيث الجو الصيفي البديع والرفقة الجميلة. 2. المملكة العربية السعودية بقصد الحج والعمرة، فهناك حيث يغسل المرء أدرانه ويقف أمام بيت رب الكون خاشعا ذليلا يطلب رحمة الله ويبتغي غفرانه. أشعر فعلا بأني بحاجة لهذه الرحلة في أسرع وقت لكي يطمئن قلبي وتسكن روحي وأعيش ذلك الإحساس الذي يغمر وجداني فيمسح على روحي مسحة مباركة من بركات تلك الديار المقدسة، ويقينا لن أذهب لكثير من الدول العربية كونها لا زالت تجتر آثار ربيعها العربي الذي أزهر شوكا وأينع علقما. 3. التوجه لمسقط رأس والديّ في فلسطين المحتلة لأهديها السلام وأقبّل ترابها وأشم نسيمها وأرتوي من روعة جبالها وسهولها ووديانها. لم أشاهد أرض فلسطين الحبيبة منذ 34 عاما ولا أدري هل ستذكرني وتذكر أيامي القليلة التي أمضيتها أعبث بترابها وأتسلق أشجار التين والمشمش وألاحق طيور الشنّار بين البساتين وآكل من يدي جدتي رحمها الله خبز الطابون الشّهي كل صباح. 4. زيارة بريطانيا صاحبت الأفضال التي لا تحصى على الأمة العربية، بدءا من وعد بلفور وانتهاء باتفاقية سايكس بيكو... طبعا لن أذهب لألومهم وأشتمهم على ذلك بل من أجل زيارة مجلس العموم البريطاني (البرلمان) لأتعلم فنون الحوار والانصات وحسن الاستماع للآخرين وتقبلهم رغم الخلاف وما ينتج عن ذلك من قرارات يتم تنفيذها حرفيا وآنيا من دون تلكؤ أو إبطاء. 5. التوجه لجبال الهملايا التي طالما قرأت عنها وعن سكانها وأظنها ستكون تجربة لا يمكن أن تقارن بتجربة أخرى إلا ارتياد القمر على متن مركبة فضائية عربية.. وذلك سيكون كابوسا وليس حلما. ولكن ما ذكرته قد يكون أضغاث أحلام لن أستطيع تحقيق بعضها وبخاصة زيارة جبال الهملايا فهذا قد يبدو مستحيلا والله أعلم، ولكن زيارة الأردن ورؤية والديّ والتّنعم برضاهما وصحبتهما التي لا تمل سيكون كافيا بالنسبة لي على الأقل موقتا وإلى حين أن يشاء الله أمرا آخر، ومع الاعتذار الشديد للإمام الشافعي رحمه الله وكما يقول المثل العربي الشعبي «العين ما تعلى على الحاجب».