< عندما قامت ثورة ٣٠ يونيو في مصر، كانت تمثل دعماً واضحاً من السعودية والإمارات لما يحدث في مصر، والذي عبر عنه ملايين المواطنين في الطرقات، وبالنتيجة كان التحرك ضد جماعة الإخوان المسلمون، والذي رفض رئيسه آنذاك مطالبات شعبية عدة لإقامة انتخابات مبكرة، الدعم منح كثير من الشرعية للتغيير في مصر، في وسط رفض غربي لهذا التغيير. ولكن دائماً يحب القوميون واليساريون في مصر وبلاد الشام في اختصار دعم الخليج في المال، ربما لأن ذهنيتهم تتوقف عند الستينات الميلادية، بحكم أنه الخطاب الرائج في تلك المرحلة عن الخليج، هذا على رغم أن المال -بحد ذاته- كان فارقاً محورياً في حرب 1973 عبر حظر الملك فيصل تصدير النفط، وهذا ما قاله غير السعوديين وعلى رأسهم السادات. والواقع أن الثقل المهم الذي تمثله السعودية ودوّل الخليج ليس القدرة المالية فقط، بل الثقل السياسي والعسكري في المنطقة، ناهيك عن البعد الديني للمملكة بالتحديد، البعد الآخر ذو الأهمية هو استطاعة المنظومة الخليجية العمل بشكل مشترك في حدوده المقبولة غالباً، على رغم الاختلاف مع قطر أو عمان في بعض الرؤى. أفضل صور هذا العمل المشترك يظهر جلياً في التحالف العربي في اليمن، وآخر النجاحات بتحرير عدن والتقدم على الأرض، في ليبيا كان هناك عمل مميز للطيران القطري والإماراتي، وكذلك في التحالف الدولي ضد «داعش»، أما البحرين فأثبت فيها الخليجيون أن لجزيرتهم درعاً حقيقياً يقف رادعاً لطموحات التوسع الإيرانية. ولهذا تجد أصحاب الهوى الإيراني ومعهم أصحاب الضيق من الحظوة الخليجية، ومعهم «الإخوان» في مصالح مشتركة بُعيد سقوط المقطم، يستغلون كل فرصة لمحاولة خلق صراع حقيقي بين الخليجيين ولاسيما السعودية، وبين مصر من جهة أخرى. المؤشرات العملية -وليس الأوهام- تؤكد أن العلاقة راسخة، على رغم وجود الخلافات الطبيعية بين أي حلفيين كبيرين، فعملياً مصر شاركت بالفعل لا بالكلام في «عاصفة الحزم»، وتعاملت بمسؤولية الدولة الكبيرة تجاه أمن المنطقة، بإدراك أهمية اليمن للأمن الخليجي والعربي، وأهمية سلامة الملاحة البحرية عبر باب المندب والمؤثرة بشكل مباشر في قناة السويس. حين بدأت طائرات عاصفة الحزم في دك معاقل الحوثيين وأنصار صالح، كانت مفاوضات الاتفاق الإطاري للاتفاق النووي تتمدد يوماً بعد آخر، مع خشية من ألا يتم هذا الاتفاق، وكان بعدها لقاء الزعماء الخليجيين في كامب ديفيد مع الرئيس أوباما، وكانت الأفعال الخليجية هي الحاضرة لا الأقوال، عبر تحركات سعودية بين روسيا وفرنسا، تؤكد أن الخليجيين تجاوزوا الحديث عن الاتفاق النووي، للعمل على منطقة الخليج ما بعد الاتفاق، ولا يمكن عزل تحرير عدن عن توقيع الاتفاق النهائي للنووي. إذنْ من يجمعهم أن لديهم مشكلة تجاه التحالف السعودي-المصري والتنسيق حول العديد من الملفات، والتي أثمرت بالتنسيق مع الدول العربية تشكيل قوى مشتركة؛ تطويراً لفكرة التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، هم من يسعون، ولو اختلفت أجنداتهم، لفض هذا الترابط، ولاسيما من يمجدون إيران كل صباح مثل حسنين هيكل، والذين احتفوا بالاتفاق النووي كأهل العروس، وغضبوا من تحرير عدن وتقهقر الحوثيين كإفساد للعرس الإيراني في المنطقة. ومن ثم ستجدهم في كل مناسبة لخلق مشكلة غير موجودة إلا في أوهامهم، وآخرها السعي لتفسير زيارة مشعل للسعودية كتغير في موقف المملكة، أو تفسير لقاءات أطراف يمنية في مصر كتغير في موقف مصر، وهذا ما نفاه وزيرا الخارجية الجبير وشكري بوضوح، والعلاقات السعودية-المصرية تبقى دائماً؛ لأنها إستراتيجية والمشتركات أكثر من الاختلافات، ووجود الخلافات هو الأمر الطبيعي، أما تجاوز الخلافات فهو ما ميز العلاقات السعودية-المصرية لعقود. aAltrairi@