طالب عدد من أسر أبناء ذوي اضطرابات التوحد بوجود كفاءات وكوادر مؤهلة ومدربة في مراكز التوحد الحكومية حتى يلحقوا أبناءهم بها، كما دعوا لإنشاء مراكز تدريب تستهدف أصدقاء التوحد، لمساعدتهم على التعامل مع الأطفال المصابين، وكذلك زيادة أعداد مراكز التوحد الحكومية في ظل العدد الهائل من المصابين بالاضطراب. وعلى الرغم من وجود جهود مبذولة في مراكز التوحد الحكومية إلاّ أن ما يقدم من برامج لا يفي بالغرض، حيث يوجد مشاكل في نوعيتها مما تسبب في ضعف مخرجاتها، إضافةً إلى أن بيئة بعض المراكز لا تتناسب مع فئات اضطرابات التوحد، إلى جانب وجود نقص شديد بالمختصين بمجال الاضطراب فالأخصائيون المؤهلون قليلون جداً، وخريجو الجامعات يحتاجون للتدريب حتى يستطيعوا ممارسة العلاج التأهيلي. وتتطلب الأعداد المتزايدة لأطفال اضطراب التوحد وجود استراتيجية وطنية متكاملة تبدأ بالتشخيص المبكر، ثم عمل برامج التدخل والدمج مع الأطفال، وكذلك تدريب الأسرة على التعامل مع الطفل وعلاجه، إضافةً إلى إنشاء مدينة طبية متكاملة لأبحاث التوحد للتشخيص والعلاج والدمج وتدريب المختصين. نقص المراكز وأقر د.إبراهيم بن عبدالله العثمان -أستاذ التربية الخاصة بجامعة الملك سعود- بوجود نقص في مراكز وبرامج التوحد الحكومية، مضيفاً أن ذلك يعود إلى ضعف وعي بعض الجهات الحكومية بأعداد المصابين باضطراب التوحد وبنوعية هذا الاضطراب، وكذلك تأخير الجهات الحكومية تنفيذ كثير من المشروعات المخصصة لحالات الاضطراب، إضافةً إلى عدم قناعة بعض الأهالي والأسر بنوعية البرامج التي تقدم في مراكز التوحد الحكومية، مما جعلهم يلجؤون إلى مراكز توحد خاصة أو ابتعاث أبنائهم للدراسة خارج المملكة، مبيناً أن هناك جهوداً كبيرة مبذولة في مراكز التوحد الحكومية لكن ما يقدم فيها من برامج لا يفي بالغرض من حيث الكم والنوع، حيث تُعد قليلة، ولا تقبل إلاّ حالات محدودة خاصة في أقسام البنات, كما أنها لا تغطي الأعداد الكبيرة للحالات الموجودة في المجتمع، ذاكراً أنه يوجد بها مشاكل في نوعية البرامج التي تقدم والتي تفتقد للتقنين والتخصصية، وعدم وجود مرجعية علمية لها، حيث تقدم برامج حالات التربية الفكرية، مما تسبب في ضعف مخرجاتها، مؤكداً على عدم تهيئة بيئة مراكز التوحد الحكومية في المباني والتجهيزات لكي تتناسب مع الطلبة من فئات اضطرابات التوحد، مشدداً على حاجة تلك المراكز لكوادر متخصصة بشكل عام، كما أن معلميها بحاجة للتدريب المستمر، وبرامج ومناهج لها مرجعية علمية واضحة. رقم كبير وأوضح د.العثمان أنه من خلال الدراسات التي أجريت داخل وخارج المملكة، فإنه يعتقد أن يكون الرقم ما بين (150) إلى (200) ألف حالة اضطراب توحد في المملكة، وهو رقم كبير ويحتاج إلى برنامج وطني على مستوى عال لمواجهة هذا العدد الكبير من الحالات، مضيفاً أنه فيما يتعلق بالأمر السامي الذي صدر عام 1419ه القاضي بالموافقة على المشروع الوطني للتعامل مع التوحد واضطرابات النمو، والمعتمد بقرار مجلس الوزراء والمتضمن تحديد مهمات القطاعات الحكومية ذات العلاقة ممثلة في وزارة الشؤون الاجتماعية، ووزارة الصحة، والتربية والتعليم، فإنه مفعّل وكل وزارة من تلك الوزارة المعنية تقوم بجهود كبيرة لتفعيل دورها، لكن الانجازات مازالت أقل من المتوقع والجهود التي تقدم مازالت عشوائية وتحتاج إلى قدر كبير من التنظيم وتكثيف الجهود في سبيل تنفيذ التعليمات والتوجيهات التي قدمت من الجهات العليا من القيادات. جهة واحدة وتحدث د.هشام الضلعان -استشاري مخ وأعصاب الأطفال ومدير مركز أبحاث التوحد بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض- قائلاً: يوجد نقص شديد في المراكز المختصة للتأهيل لمصابي اضطرابات التوحد، وأن الموجود حاليا لا يرتقي إلى المستوى المقبول، مطالباً بوضع معايير جودة للمراكز الموجودة والتأكد من تقديم خدمات مقبولة، مضيفاً أن هناك تعثرا في تنفيذ المشروع الوطني للتعامل مع التوحد واضطرابات النمو، ووجود أكثر من وزارة وتعدد المرجعيات ومصادر التموين أدى إلى رمي كل وزارة المسؤولية على الأخرى، وبالتالي تعثر التنفيذ، مُشدداً على أهمية وجود جهة واحدة مسؤولة عن التوحد، مبيناً أن هناك نقصا شديدا بالمختصين بمجال اضطرابات التوحد من جميع الاختصاصات، فالأخصائيون النفسيون والمعالجة السلوكية وخصائص العلاج الحسي الوظيفي وعلاج التخاطب وصعوبات التعلم المؤهلين للتعامل مع أطفال التوحد قليلون جداً، وأن خريجي الجامعات يحتاجون للتدريب حتى يستطيعوا ممارسة العلاج التأهيلي. إستراتيجية وطنية وتمنى د.الضلعان وجود دراسة وطنية للتوحد ولو بإضافة سؤال للتعداد السكاني: "كم طفلا لديه توحد بالأسرة؟"، مضيفاً أن التوحد هو اضطراب نهائي عصبي يحتاج إلى استراتيجية وطنية متكاملة تبدأ بالتشخيص المبكر قبل سن سنتين، ومن ثم عمل برامج التدخل المبكر من سن سنتين الى أربع سنوات، ومن ثم الدمج مع الأطفال بالروح والتمهيد وأخيراً الالتحاق بالمدارس، داعياً إلى إيجاد تدريب فني مهني وظيفي والإعداد لمراكز الإقامة الدائم لمن يحتاج لها بالنسبة للبالغين من أصحاب اضطرابات التوحد، مُشدداً على دور الأهالي بعلاج أبنائهم المصابين باضطرابات التوحد، وأنه يجب تدريب الأسرة على التعامل مع الطفل وعلاجه، لافتاً إلى أن الخدمات الموجودة لأطفال التوحد شبه معدومة خاصةً خارج المدن الرئيسة التي تفتقد المراكز التشخيصية والتأهيلية، ذاكراً أن التكلفة العلاجية عالية وبالتالي المراكز الخاصة التي تقدم الخدمة تسعى للربح مما ينعكس سلباً على الجودة. وحول ندرة المعلمين والمعلمات غير المختصين في بعض مراكز التوحد ومدى علاقتهم بتطوير وتعليم المصابين باضطرابات التوحد قال: المشكلة تكمن في ندرة المختصين المؤهلين بسبب تكلفتهم العالية، مبيناً أن المعلمين الموجودين غالبيتهم مجتهدون وتنقصهم الخبرة ويحتاجون للتدريب، منوهاً أن معظم البرامج التدريبية في مراكز التوحد تدرس باللغة الانجليزية وأن قليلا من المختصين الموجودين في مراكز التوحد يجيدون تلك اللغة. إعانة شهرية ودعا د.الضلعان إلى النظر في الإعانة الشهرية لأطفال التوحد التي تقدر ب(800) ريال والتي لا تكفي لسد الاحتياجات الاساسية، مضيفاً أنه حالياً لا يوجد علاج شافٍ لمرض التوحد، وأن التركيز هو لمعرفة وفهم اضطراب التوحد، مبيناً أن هناك تقارير وأبحاثاِ عن استخدام الخلايا الجذعية لعلاج التوحد إلاّ أن الطريق لا يزال أمامها طويلاً، وأن التأهيل بالعلاج السلوكي هو الخيار المتاح حالياً، ذاكراً أنه يجب إيجاد جهة وحيدة مسؤولة عن التوحد لها ميزانيتها، وأن يتم إنشاء مدينة طبية متكاملة لأبحاث التوحد للتشخيص والعلاج والدمج وتدريب المختصين، مشيراً إلى أن التوحد يُعد مشكلة اجتماعية لا تتوقف على الدولة فقط، مطالباً بالأخذ بتجربة سابك ومساهماتها الفعالة بدعم مراكز التوحد والصحة النفسية. طول انتظار وأبدت أم محمد -والدة أحد المصابين باضطرابات التوحد- استياءها الشديد من طول الانتظار في مراكز التوحد الحكومية لإلحاق ابنها فيها، مما جعلها تبادر في إدخاله احد مراكز التوحد الخاصة التعليمية، مضيفةً: "أفادني الطبيب المعالج لابني في احد المستشفيات الحكومية لإجراء تدخل مبكر للتشخيص والعلاج، إلاّ أني بقيت خمس سنوات في الانتظار لدى بعض مراكز التوحد لعدم وجود إمكانية إلحاق، حتى سنحت الفرصة مؤخراً لإلحاقه بأحد مركز التوحد الخاصة"، مبينةً أنها قبلت بدخول ابنها في احدى مراكز التوحد الخاصة رغم ارتفاع التكلفة التي قدرت ب(38) ألف ريال في السنة بأقساط شهرية؛ لأنه في ذلك الوقت لا يوجد بديل للمراكز الحكومية، والتي تُعد مهيأة بكوادر ومعلمين متخصصين، ذاكرةً أن ابنها الآن موجود في المنزل بعد أن طلب إخراجه من المركز بعد بلوغه (11) عاماً؛ كون المركز نسائياً في الدرجة الأولى. ووصفت تكاليف علاج المصابين باضطرابات التوحد بالمكلفة والباهظة في ظل عدم وجود دعم من الجهات الحكومية المعنية، موضحة أن المصابين باضطرابات التوحد لابد أن يحتاجوا لمتابعة وصبر وتحمل من قبل أهاليهم أولاً ومن ثم المجتمع، مطالبةً بافتتاح مراكز تنمي قدراتهم في المهن والحرف، وكذلك الترفيه. وطالبت أم مبارك -والدة مصاب باضطرابات التوحد ومنفصلة عن والده- بإيجاد حل لمشكلات توفير كوادر طبية ومتخصصة لحالات النطق والتخاطب في مراكز التوحد الحكومية، وكذلك توفير أندية مفتوحة ترفيهية وخدمية، إضافةً إلى توفير كوادر مدربة ومتخصصة كأخصائي تخاطب ونطق، إلى جانب النظر في أسعار أخصائي النطق والتخاطب في مراكز التوحد الخاصة، والتي وصلت إلى (3000) ريال، وكذلك مراكز توحد حكومية في كل حي تتوفر فيها جميع الإمكانات اللازمة لعلاج وتهيئة المصابين بالتوحد. نحتاج برنامجاً وطنياً فاعلاً لمواجهة تزايد الحالات وتدريب المختصين مزيد من الرعاية وتحدثت د. رنا محمد زينة -باحثة في المركز الجامعي لأبحاث وعلاج التوحد- قائلةً: إن الخدمات التربوية في المملكة لازالت في بداية الطريق وتحتاج إلى المزيد من الرعاية، وأن المدارس العامة في المملكة لا زالت غير قادرة على استقبال الأطفال المصابين باضطراب التوحد؛ وذلك لنقص البرامج التربوية والخبرات المؤهلة والمدربة، لذلك يتم توجيه هؤلاء الأطفال إلى مراكز الرعاية دون الاهتمام بمستوى قدراتهم العقلية أو باحتياجاتهم الخاصة، مضيفةً أنه بالنسبة لقطاع التربية الخاص فإنه تتوفر مجموعة من المراكز المختصة بالتوحد موزعة فقط في المدن الكبرى في المملكة (الرياض، الدمام، جدة)، مبينةً أن هناك نقصا في الخدمات المساندة مثل التخاطب العلاج الوظيفي والتدريب السلوكي والتدريب الاجتماعي، ذاكرةً أن تزايد عدد المصابين باضطراب التوحد يجعل قوائم الانتظار طويلة جداً، لافتةً إلى أن هناك مراكز حكومية لا تستطيع أن تغطي الأعداد المتزايدة لانتشار الاضطراب، مؤكدةً على أنه لم يتم تنظيم أي دراسة علمية عن انتشار التوحد في المملكة. ضغط هائل وأوضحت د.رنا أنه تعاني أسر الأطفال المصابين باضطراب التوحد من ضغط هائل، نظراً لما تتطلبه رعاية طفل مصاب بالتوحد من وقت وجهد مادي ومعنوي، إضافةً إلى ارتفاع تكاليف الخدمات المساندة نظراً لعدم توفرها بسبب طول قوائم الانتظار، مبينةً أن آخر المستجدات في مجال علاج اضطراب التوحد هو العلاج بالأكسجين والخلايا الجذعية والتحفيز المغناطيسي للفص الأمامي في الدماغ، مشيرةً إلى أنه عند وضع استراتيجيات علاجية للتوحد لابد من الأخذ بعين الاعتبار التعقيد للعوامل المتضمنة في اضطراب التوحد، والاضطراب ذاته وخصوصيته، وكذلك كيفية التعامل مع الأشخاص المصابين بالاضطراب، إضافةً إلى طبيعة التدخلات العلاجية، حيث إن بعضها غير مُجد على المدى الطويل.