×
محافظة المنطقة الشرقية

دور العميل الإيراني الأمريكي المزدوج (المالكي) في إطلاق وحش داعش - جاسر عبدالعزيز الجاسر

صورة الخبر

المعرض لفنانين اثنين من بلاد الرافدين، والمكان المركز الثقافي العراقي في بيروت، إنها الفنانة رنا علي الطائي والفنان أحمد حسين الزعيم. ينتمي الفنانان إلى رعيل معاصر من الفنانين العراقيين الذين تخرّجوا في معهد الفنون الجميلة في بغداد، وبطبيعة الحال فهما من أعضاء جمعية التشكيليين العراقيين، ولكن الذي يجمع بينهما هو انتماؤهما إلى مؤسسة ميزوبوتاميا للتنمية الثقافية، وهي من المؤسسات التي تهتم بتنمية الوعي التأريخي للمثقف العراقي بالذات، إنها نوع من الانتماء إلى الموروث الرافديني أيضاً، فلا غرابة أن يتكرس النتاج الإبداعي لأغلب المنتمين إلى هذه الجمعية لتمجيد الموروث العراقي القديم، من بابلي وسومري وآشوري، وهو في الواقع يشكل رد فعل على ما يحصل الآن في العراق من تدمير وإتلاف للآثار الرافدينية القديمة. إن الانتماء الأعرق لأي إبداع فني يتمثل باسترجاعه للموروث الحضاري لبيئته الأساسية، ومنه يستطيع أن ينطلق وفق منطقه التعبيري نحو التفسير الأوسع للإرث الحضاري. يقول الأمين العام لمؤسسة ميزوبوتاميا الدكتور محمد الطائي: يسهم النص الإبداعي التشكيلي في صياغة وعي الفرد بذاته، وصقل ذائقة الفردنة في الفرد المبدع على نحوٍ ينمّي فيه حسن الانتماء إلى ذاته الإبداعية المبدعة، وبقدر ما يبدو هذا الاستنتاج منطقياً، فإن الإشكالية التي يجب عدم تجاوزها تتمثل في ذلك السجن الماضوي الذي سيجعل من العلاقة بين الإبداع والمبدع قضية ذاتية بحتة، بعيدة بمسافة كبيرة عن الجوانب الموضوعية لعملية الخلق الإبداعي. وهي عملية تقوم أساساً على حالة نقدية واضحة ما بين المبدع والموضوع الإبداعي أولاً، ثم ما بين هذا الموضوع الإبداعي والمتلقي ثانياً. فلسنا مجبرين على تبرير نتاجنا التشكيلي بسبب استرجاعنا لموروثاتنا الحضارية مثلاً، فالموضوعات ملقاة في موضعها كقوة منتمية إلى المكان وإلى التاريخ، فيما اللوحة التي تعيد رسمها أو تتخيلها منتمية كلياً إلى ذاتها التشكيلية بوصفها العمل الفني الذي يمجّد، أو ربما يصف أشياء الماضي. لقد تعلق الفن العراقي كثيراً بموروثاته، وابتداءً من الرعيل الأكاديمي الأول، الذي مثّله عدد من الفنانين الكبار أمثال جواد سليم، عطا صبري، فائق حسن، حافظ الدروبي، شاكر حسن آل سعيد، إسماعيل فتاح الترك وغيرهم، فإن اللوحة الرافدينية حتى على أيدي تلامذة هؤلاء الأساتذة، ونقصد هنا الرعيل الثاني، بقيت في الكثير من ثيماتها وإشاراتها رهينة لهذا الماضي العراقي الكبير. ولو درسنا جدارية جواد سليم مثلاً، لوجدناها مملوءة بالرموز السومرية والآشورية، وكذلك لو تمعنّا في النحت لدى جيل الرواد أمثال (محمد غني حكمت) وآخرين فإننا سوف نقرأ بوضوح صورة التأريخ النحتي لبلاد الرافدين. وبالنسبة إلى الفنانة العراقية رنا علي الطائي التي يصفها الدكتور محمد الطائي بأنها وعي صياغة الهوية في النص التشكيلي، فإن مبرّر غايات هذه الصياغة ستبدو أبعد من مسألة الحفاظ على الهوية الجاهزة، هوية الأشياء حتى لا تلتبس بهوية أشياء أخرى. بل إن قراءة بصرية لأبرز أعمال هذه الفنانة العراقية سوف تضعنا أمام افتراضات تأريخية ترتكز على نصوص تأريخية وردت عبر مصادر الحفريات والتدوينات وعمليات فك رموز الكتابات المسمارية، فلوحة الملكة أميديا المرسومة بألوان الإكريليك، هي صورة ذاتية للفنانة على خلفية ذات طابع بابلي. تماماً كما سيبدو تأليف لوحة عناق جلجامش وأنكيدو،فضلاً عن لوحات الإله نابو ولوحة عناق أنانا وديموزي (تموز) وأنليل واكيتو وعشتروت. لكن لنعترف بأن الفنانة وفي أغلب المفردات التي صاغت عبرها مسطحاتها التشكيلية اقتبست من الرموز السومرية والبابلية الشيء الكثير، ثم إن الفنانة نجحت بشكل ناضج في خلق التوازن المطلوب لعملها الإبداعي. لوحة رنا علي الطائي تطرح هويتها الرافدينية بشكل مباشر وهي تعتمد على لغة تعبيرية مباشرة أيضاً. وفي ما يتعلق بالفنان أحمد حسن الزعيم فإن موضوعاته العراقية لا تنتمي إلى الماضي القديم، بل إلى الحسّ الشعبي الذي كان سائداً بالأمس في بغداد، وفي جوار بغداد، حين كانت البساطة سيدة الحياة، وكانت بغداد الهادئة الجميلة النظيفة قريبة من القلب. في البيت كانت المرأة ومرودها الذي تكحل به عينها السوداء الجميلة، فيما كانت عربات (الربل) التي تجرّها الخيول سيدة شوارع بغداد في الليل حيث كانت السيارات أندر من الناس. هناك الكثير من الحنين إلى الطفولة، وبخاصة بالنسبة للذين عايشوا بغداد الخمسينات والستينات، وعرفوا أسرار البيوت وتمشوا في تلك الأزقّة الضيقة، حيث الشناشيل الخشبية وبنات الحيّ الجميلات يسترقن النظر من وراء المشربيات. لقد دوّن هذا الفنان ذاكرة المدينة، لذلك فهو مسجل اللحظات الأجمل، لاسيما وأنه استعمل المواد المختلفة للوصول إلى هدفه. هنا اللوحة تنتمي كلياً إلى رتل الشهود الذين يريدون أن يدوّنوا شهاداتهم لمصلحة مدينتهم المهيضة الكرامة، والمسفوحة المهانة على أيدي الذين لم يسبق لهم أن تعرفوا إلى المعنى الوجودي لمدينةٍ مثل بغداد ذات الشوارع المنطوية على أضلاعها الألف، والبيوت ذات الأسرار التي فضحها اليوم جيش الغزاة.