لا أعتقد أن هناك كثيراً ممن يختلفون معي أن هناك خلطاً كبيراً في كثير من المفاهيم لا سيما الأخلاقية منها، فلا عجب تماماً أن يعني التهور لدى كثيرين شجاعة!، وقلة الأدب والفظاظة قوة شخصية، والتبذير والإسراف كرماً، والثقافة تمرداً على الموروث بصفته مورداً للتخلّف في كل حال، وتستمر السلسلة كثيراً دونما قدرة على الاتفاق على تعاريف واضحة تمنح الناس جميعا فرصاً متقاربة للتميّز بين السلوكيات السليمة والأهواء والعصبيات والموروثات البالية، انطلاقاً من ذلك تبرز أهمية وضوح المعايير الأخلاقية ومفاهيمها في أذهان الناس وضرورة أن يتطبع الناس بها كمرحلة آتية. تأسست وزارة المعارف في المملكة عام 1373هـ قبل أن يتغيّر اسمها إلى وزارة التربية والتعليم عام 1424هـ، ولا شك أن اقتران التربية والتعليم بلاسم الجديد هو أمر منطقي وموفق جداً لا يختلف عليه أحد، إذ إن علماً جمّاً دونما خُلق سيجعل صاحبه في أدنى الدرجات، ففي حين يُمنح الجاهلُ العذرَ لجهله، فإن العالم يُنظر إليه دائماً بمزيد تأمل، غير أنَّ الجانب التربوي في المدارس لم يزل دون المأمول، وأعتقد أنَّ السبب في ذلك عدم وجود منهج تربوي متخصص في الأخلاق، هذا ما يجعلني اليوم أتمنى أن يكون هناك منهج يعنى بتدريسه، في هذا المنهج يُعلِّمُ الأولاد والبنات الأدبيات والأخلاقيات السليمة، طرق الحوار، كيف نتفق ونختلف، كيف نمنح بعضنا الحق في تبني الرأي الذي نعتقد به دونما إساءة لأحد، منهج يُعلم أولادنا أن نظافة الشارع والمرافق العامة والشواطئ ليست بأقل أهمية من نظافة البيت، وهكذا دواليك. إنَّ من الميزات التي تميّز المجتمعات المتقدمة عن غيرها السلوك الحضاري الذي يتمتعون به، هذه السلوكيات لم تكن لتحدث لولا أنَّ هناك تثقيفاً أخلاقياً سلوكياً يمنح الطفل منذ نعومة أظفاره منهجاً لكثير من السلوكيات الحسنة بنظرهم، مجتمعاتنا العربية بصفة عامة تفتقد هذا الجانب كمنهج دراسي، أو كمشروع تثقيفي واضح تقوم به المدارس، هذا ما يجعلنا نشاهد نسبة من المتفوقين دراسياً في أدنى درجات الخلق. والمَرْءُ بِالأَخْلاقِ يَسْمُـو ذِكْرُهُ وبِهَا يُفَضَّلُ فِي الـوَرَى وَيُوَقَّـرُ في وقتٍ مضى وحينما كانت البيئة حسنة، كانت تصحح ما عجز عنه الوالدان في المنزل من تربية، ولكن وبعد أن أصبح العالم أكثر انفتاحاً على بعضه فإنَّ الأبناء عموماً يتعرضون لكثير من المفاهيم التي قد تكون نسبة غير قليلة منها مفاهيم مغلوطة، من هنا فإنني أعتقد أنَّ وجود منهج لعلم الأخلاق ضمن المناهج الدراسية يستطيع أن يُسهم إلى حدٍّ ما في الارتقاء بأبنائنا ولو بمقدار ما في الجانب المهم.