عبثاً تحاول ادارة الرئيس باراك اوباما تطمين دول الخليج الى حقيقة نواياها في المفاوضات التي تجريها مع ايران حول برنامجها النووي. تريد واشنطن الإيحاء بأن ما تحاول التوصل اليه مع طهران سوف يساعد على استقرار منطقة الخليج، ويساهم في تخفيف وطأة التهديدات الايرانية على ابواب دول المنطقة وقرب شواطئها، فيما لو تحولت طهران الى دولة نووية. أي ان واشنطن، والأصح الحديث هنا عن ادارة اوباما، اذ انه لا يوجد اجماع في العاصمة الاميركية على هذا الامر، تسعى الى بيع الخليجيين بضاعة توفير الأمن لهم، في مقابل الحصول على صمتهم عن المفاوضات النووية التي تجريها مع ايران. غير ان هذه التجارة ليست صفقة رابحة لكسب الزبائن. فأهل الخليج يتخوفون طبعاً من المشروع النووي الايراني، لكنهم يعرفون ان هناك حدوداً تستطيع ايران أن تلعب فيها بهذا المشروع. ومعروفة طبعاً القيود الفعلية الموجودة في المنطقة، والتي تحول دون استخدام ايران لمثل هذا السلاح تحت اي ظرف، فالايرانيون ليسوا معروفين بالتهوّر، ولذلك فهم يدركون الكلفة العالية التي سيدفعونها اذا حاولوا استخدام هذا السلاح، حتى لو كانوا يملكونه. بكلام آخر، ان تخويف العالم من النووي الايراني ومحاولة واشنطن بيع منطقة الخليج والعالم بأسره وهم التخلص منه، هو أمر نظري وفي علم الغيب حتى الآن، في حين ان التمدد الايراني الحقيقي، والذي بات واقعاً فعلياً، هو موجود وقائم على الارض، ويمكن متابعته يومياً وفي كل مكان، وهو لا يقلق اميركا ولا يقلق حليفتها الاولى في المنطقة اسرائيل، بل هو أصبح مصدر قلق جدي لأهل المنطقة، كما تظهر التطورات اليومية للاحداث، من اليمن الى سورية، مروراً بالعراق ولبنان، وربما غداً في امكنة اخرى، يتم التحضير لها في غفلة عن حكوماتها وشعوبها. لقد تحول البرنامج النووي الايراني الى وسيلة لاستدراج التفاوض مع الغرب ولكسب الصفقات من خلاله. ومعظم هذه الصفقات يتم على حساب المنطقة العربية ومصالح شعوبها. لذلك من الصعب ان يصدّق عاقل الكلام الذي تروّج له ادارة اوباما، والذي كرره الوزير جون كيري خلال محادثاته «التطمينية» في الرياض، من ان التفاوض على النووي الايراني منفصل عن الملفات الاقليمية الاخرى، او تأكيده ان واشنطن، فيما تخوض المفاوضات النووية مع ايران، لن تتغاضى عن تحركات طهران في سورية ولبنان والعراق واليمن، «التي تسبب زعزعة الاستقرار»، كما قال كيري. فالايرانيون ليسوا من السذاجة بحيث يقبلون التخلي عن ورقة التخويف بالنووي، التي باتت مثل الفزّاعة يلوحون بها عند الحاجة، من دون مقابل، وعلى الخصوص من دون الحصول على غطاء غربي لادوارهم في المنطقة، التي اصبحت تتقاطع مع المصالح الغربية، وخصوصاً في الحرب على تنظيم «الدولة الاسلامية»، حيث يقف الايرانيون والغربيون في الصف ذاته. الاميركيون يحاربون «داعش» من الجو، فيما تؤمن طائراتهم الحماية لوحدات «الحرس الثوري» الايراني و»الحشد الشعبي» الشيعي (الذي يدربه الايرانيون) والتي تتقدم على الارض. يقول الايرانيون ان الحصول على سلاح نووي لا يتفق مع عقيدة الجمهورية الاسلامية، لكنهم لا يخفون في المقابل، بل هم يتباهون بتطوير قدراتهم وامتداداتهم في المواقع المختلفة الاخرى. ويكفي النظر الى صور اللواء قاسم سليماني، التي تتعمّد وسائل الاعلام الايرانية توزيعها له على مختلف الجبهات، وآخرها جبهة تكريت، للتأكد من حقيقة الرسالة التي تريد طهران توجيهها الى المنطقة والعالم، وهي ان طهران لم تعد تخشى تبعات الدور الذي تلعبه في ازمات المنطقة. لقد مهدت واشنطن لايران الطريق للتقدم الذي تحققه على حساب مصالح المنطقة العربية، في تغيير واضح وكبير لحاضر هذه المنطقة ومستقبلها. سهّلت واشنطن للايرانيين السيطرة على مقدرات العراق، وسلّمتهم مفاتيح بغداد. وفي دمشق ظلت تهديدات اوباما لنظام بشار الاسد كلاماً في الهواء، فيما كان الايرانيون والميليشيات العاملة معهم تحمي النظام وتقتل السوريين المعارضين. وفي اليمن ولبنان يقف الاميركيون موقف المتفرج، بينما تتقدم السيطرة الايرانية على هذين البلدين. من هنا يبدو حديث جون كيري عن «عدم تغاضي» واشنطن عمّا تفعله ايران مخالفاً لما تنفذه واشنطن على الارض بتحالفها غير المعلن مع الايرانيين.