كان الرئيس المصري أنور السادات يكلف مخابراته بتقديم تقرير دوري عن آخر النكت التي قالها الناس فيه.. كان يعتبر النكتة مقياسا لمزاجهم الشعبي وترجمة لمستوى قبوله أو رفضه بين أفراد الشعب (في حين أصبح من السهل على رؤساء هذه الأيام البحث عما يعنيهم في وسائل التواصل الاجتماعي).. والنكتة السياسية بالذات تلقى رواجا كبيرا بين الناس كلما ارتفعت نسبة الإحباط والشعور بالقهر (وهذا بالضبط ما يجعلها مؤشرا مهما للمزاج الاجتماعي).. أذكر أيام الغزو الإسرائيلي لقطاع غزة أن شاعت بين الفلسطينيين نكتة تعبر عن عتبهم على بقية الشعوب العربية: .. عقد الرئيس الإسرائيلي مؤتمرا صحفيا مع الرئيس الأميركي قال خلاله نتنياهو: بعد مفاوضات شاقة أعطانا الرئيس الأميركي الضوء الأخضر لقتل 14 مليون فلسطيني وخمسة خراف وطبيب أسنان واحد!! استغرب الصحفيون وتدافعوا للسؤال: ولماذا بالذات خمس خراف وطبيب أسنان واحد؟ انحنى الرئيس الإسرائيلي على الرئيس الأميركي وقال هامساً: ألم أقل لك لن يهتم أحد بقتل الفلسطينيين!! وفي عصرنا الحاضر تتميز جامعة وولفرهامبتون بامتلاك قسم متخصص يأخذ على عاتقة دراسة تاريخ النكتة وعلاقتها بالطبيعة البشرية. وقد أعلن مؤخرا عن اكتشافه أقدم نكته مكتوبة في التاريخ (1900 عام قبل الميلاد) في موقع أثري في جنوب العراق حيث ازدهرت الحضارة السومرية.. ولم يكن موقع كتابتها مفاجئا (في أحد الحمامات) وتبدأ بسؤال بريء تتلوه إجابة تتهكم على.. سذاجة المتزوجات حديثا..! أما ثاني أقدم نكتة في التاريخ فهي فرعونية الأصل وتعود الى 1600 عام قبل الميلاد؛ وهي بعكس النكتة "العراقية" يمكن ذكرها وتبدأ بالحوار التالي: - كيف ترفع معنويات الفرعون سنوفرو حين يذهب لصيد السمك؟ - الجواب: ترمي أحد العبيد ثم تصرخ بأعلى صوتك هناك هناك تقفز سمكة كبيرة!! .. وهذه النكتة الفرعونية (بالمناسبة) قد تكون أقدم نكته سياسية في التاريخ - وهو النوع الذي برع فيه الانجليز في العصر الحديث بفضل ماضيهم الاستعماري القريب.. على أي حال.. .. النكتة - رغم مظهرها البسيط ونتيجتها الباسمة - تعد وسيلة تعبير قوية تتضمن كافة الآراء والمواقف البشرية - وأصفها شخصيا بالكاركاتير الشفهي كونها تخبرك كل شيء بطريقة مأساوية ومختصرة وباسمة.. وهي بالتأكيد ابتكار ذكي لا يفهمه غير البشر (دون بقية المخلوقات) كونها تركيبة لغوية وعقلية وثقافية معقدة - ناهيك عن تضمنها عنصري المفاجأة والمفارقة الذكية.. وحين يتم تداولها على أساس سياسي، يضاف للمواصفات السابقة اتفاق أفراد المجتمع على ما جاء فيها (فأنت لا تضحك من نكتة لا تتفق مع محتواها) في حين يعد مجرد ضحكك وإعادة إرسالها بمثابة تأييد لمحتواها..