تشهد العاصمة الماليزية كوالالمبور ازدحاما استثنائيا في الليالي الأخيرة من رمضان، سببه تدفق المتسوقين من مدن ومناطق مختلفة لشراء مستلزمات العيد. وبهذه المناسبة تتحول شوارع رئيسية ليلا إلى أسواق شعبية. فقد أغلقت معظم الشوارع الفرعية وبعض الشوارع الرئيسية في حي تشاوكيت القديم وسط كوالالمبور على مدى عدة ليال قبيل العيد، ومُلئت ببسطات باعة وأكشاك تعرض مختلف أنواع البضاعة المتوسطة السعر والرخيصة، إضافة إلى الأسواق الليلية المعتادة في مناطق متفرقة من كوالالمبور وغيرها من المدن الماليزية. قرر أزمان وزوجته عيني التخلي عن عملهما في إدارة صالة بأحد فنادق كوالالمبور وبدء مشروع خاص بهما لبيع المشويات الماليزية التقليدية المعروفة باسم ساتيه في أحد الأسواق الشعبية الليلية. وبعد سنتين على مشروعهما، يقول أزمان للجزيرة نت إنه اتخذ قراره في الوقت المناسب للبدء بتجارة خاصة به. مشاريع صغيرة وأعرب أزمان عن اقتناعه بأن البداية الصغيرة هي البداية المناسبة والخالية من مخاطر ومجازفات كبيرة، ويأمل أن يتمكن من توسيع مشروعه بفتح فرع لمطعمه الشعبي في سوق ليلية أخرى، ويشجعه على ذلك عدم اضطراره لدفع ضرائب للدولة أو أجور لموظفين أو إيجارات لمحال تجارية. أما السيدة رازقة التي تعمل مع أفراد أسرتها في إدارة مطعم مجاور، فتقول عن مطعمها إنه مشروع الأسرة، حيث تعمل هي وزوجها وأبناؤهما الأربعة في تجهيز عدة أصناف من المأكولات الشعبية. وتقول إنها أخذت المشروع من والدتها وطورته، وإنها تسعى لفتح بسطة لأحد أبنائها في سوق ليلي آخر لأن إقبال الزبائن في تزايد، مشيرة إلى أنها أصبحت تتلقى طلبات لتجهيز حفلات في المنازل وصالات الأفراح، لكنها لا تفكر في الانتقال إلى مطعم في سوق رسمي. وبحسب رأي مسؤولين محليين في بلدية كوالالمبور، فإن المستهدف في الأسواق الشعبية هم الطبقة المتوسطة وذوو الدخل المحدود، بهدف تشجيعهم على توفير دخل إضافي وتسهيل إقامة مشاريع صغيرة تنمي قدراتهم في المجال التجاري، بينما تشكل الطبقة المتوسطة والفقيرة القطاع الأكبر من متسوقي الأسواق الليلية. وحسب رأي الخبير الاقتصادي البروفيسور راجا راسيا فإن هذه الأسواق حققت هدفها في تشجيع صغار المستثمرين المنحدرين من طبقات ضعيفة من المجتمع، فهم قد يكونون موظفين حكوميين يمارسون أعمالهم في إداراتهم الحكومية وغير الحكومية نهارا، ويفتحون محالهم التجارية في الأسواق الليلية بعد الفراغ من وظائفهم. أما المستفيدون غير المباشرين من هذه الأسواق فهم سلسلة طويلة تبدأ من المنازل حيث يتم تجهيز سلع كثيرة منزليا وتنتهي بكبار الصناع والتجار. جدل ضريبي تشير دراسات اقتصادية إلى أن حجم القطاع الاقتصادي غير الرسمي في ماليزيا يصل إلى 13% من مجمل الدخل القومي، وتشكل الأسواق الشعبية -ومنها الليلية- جزءا مهما من هذا القطاع. ويقدر أستاذ الاقتصاد في جامعة الملايا راجا راسيا دخل أصحاب المحلات في هذه الأسواق ما بين ألف وعشرة آلاف دولار شهريا، ومع أن المستثمرين في هذه الأسواق يمرون بإجراءات حكومية كاملة فإنهم غير مشمولين بنظام الضرائب، ولذلك ظهرت دعوات مؤخرا تطالب بعدم استثناء المستثمرين في هذه الأسواق من ضريبة المبيعات والخدمات التي بُدئ بتطبيقها منذ أبريل/نيسان الماضي، وهي محددة بنسبة 6% عن جميع المعاملات في الأسواق العادية. ورغم أن قانون ضريبة المبيعات والخدمات يشمل من يزيد دخلهم عن 500 دولار، فإن مسؤولين حكوميين يرون أن هدف هذه الأسواق هو تدريب القطاعات الضعيفة على تنمية قدراتها وزيادة دخلها. سهولة التسوق ميزات إضافية للأسواق الليلية تكمن في توقيتها وأسعارها والتشكيلة الواسعة من السلع المعروضة فيها، بحيث يمكن الاستغناء عن السوق العادية على الأقل في الاحتياجات اليومية. يفضل كثير من الماليزيين التسوق ليلا خارج أوقات الدوام والعمل، إذ تغلق الأسواق الرسمية والمولات في الساعة العاشرة ليلا، وعندها يمكن للموظفين في القطاع الخاص التوجه إلى الأسواق الليلية لشراء مستلزماتهم اليومية قبل التوجه إلى منازلهم. ويفضل كثيرون هذه الأسواق على أسواق نهاية الأسبوع بسبب الزحام الكبير في تلك الأسواق وارتفاع الأسعار نسبيا نظرا للإقبال عليها، لكن الأسواق الشعبية عموما لا تخضع للرقابة المعتادة على جودة المنتجات وأسعارها في الأسواق الرسمية، ويترك ذلك لتنامي الثقة بين البائع والمستهلك مع مرور الوقت. تقول روح آية التي تبيع مأكولات شعبية في السوق الليلي، إن كثيرا من زبائنها ثابتون لأنها بنت ثقة بينها وبينهم ولا تستطيع أن تغشهم، لا سيما أنها تبيع سلعة لا تتوفر كثيرا في أسواق كوالالمبور، وهي مشاوي ولاية كلانتان شمال البلاد. وعشية العيد تطرح أكثر من 400 نوع من حلويات العيد التقليدية في السوق الليلي معظمها صناعة منزلية، بما يوفر دخلا إضافيا لكثير من الأسر المتوسطة وذوي الدخل المحدود، ويجد كثير من الفقراء ضالتهم في البضائع الرخيصة والمستعملة.