×
محافظة المنطقة الشرقية

مسؤول أممي: استضافة الكويت للقمة يظهر مكانتها كشريك دولي مهم

صورة الخبر

صباح الخميس قبل أمس، لم يكن يوما عاديا في شوارع جدة من الجنوب إلى الشمال. لم يساورني شك أن هناك شيئا غير طبيعي. فجدة، المدينة المعروفة بصخب إيقاعها وازدحام شوارعها وأزمة المواصلات فيها على مدار 24 ساعة كل أيام الأسبوع، قد استحالت منذ أيام إلى واحة هادئة إلا من بعض المارة والسيارات. كيف تغير الوضع بهذه السرعة؟ كيف تمكنت من أن أنجز مشوار النصف ساعة في عشر دقائق؟ هل يعقل أن تؤدي الحملة التصحيحية إلى تقليص عدد السيارات إلى أكثر من النصف؟ وهل يعقل أن يختفي طوفان البشر من شوارع جدة بهذه البساطة؟ لم يكن ذلك حلما أفقت من بهجته. كما لم يكن كابوسا مخيفا بفعل كارثة طبيعية أو هزة أرضية لا سمح الله. بل كان حقيقة يتحدث عنها الجميع بعد أن أصبحت واقعا مثيرا للجدل. من مفارقات هذا الواقع الأليم أنه كشف لنا فجأة، وبجرأة تخطت كل التابوهات وقلبت كل الموازين، عن وجوه لم نكن نجرؤ على رفع الحجب عنها ومساءلتها في ضوء النهار. النساء من حولي يرفعن الأصوات يشكين هموم السائق على الطرقات المختنقة قبل الحملة واختفاء ذلك الشر الذي لا بد منه بعد الحملة. الرجال يقلبون صفحات الأمل الضائع على دكاكين التجزئة التي كانت مصدر دخل إضافي لهم ولأسرهم. وحتى أكون أكثر تحديدا اختلفت النساء في همومهن. فمن شكوى ربات البيوت والنساء العاملات من تحرش السائق وصفاقة العاملة المنزلية إلى سيدات الأعمال يشتكين شح العمالة النسائية السعودية وتضييق قوانين العمل عليهن في تشغيل غير السعوديات. النساء لا يدرين أهو خير أم شر ما تكشفت عنه الحملة التصحيحية. هؤلاء النساء لا يطلبن أكثر من راحة في الحركة واستقلالية في التنقل داخل المدينة بعيدا عن المزايدات. بعض أصحاب الأعمال الصغيرة المعتمدة على العمالة غير النظامية يندبون حظوظهم العاثرة في ليل أسود. الطبقة الوسطى من المنتفعين من العمالة غير القانونية تبحث عن مخرج بـ«تقبيل» متاجرها الصغيرة وبقالاتها المتكدسة ويغيب عنها «تقبيل» القوانين التي ستعيد للسوق توازنه. المقيمون النظاميون يبتهجون على مضض. أما غير النظاميين فحالهم أشد بؤسا بعد أن تفردوا بانتهاك القانون دون حسيب أو رقيب وفرضوا شروطهم الجائرة وخدماتهم البائسة على سوق العمل. أفقت على وقع تلك المشاهد وأنا أردد: مخطئ من يظن أن الحملة التصحيحية لوضع العمالة والعمال في وطننا ستنهي ما بين يوم وليلة عللا تراكمت لعقود من الزمن، دون أن يرافق ذلك الكثير من الصعوبات المرحلية. لا شك أن الحملة التصحيحية لن تعيد سريعا بناء ما أحدثه غياب القانون لسنوات وسنوات، كما أننا لن ننتقل فجأة لنشهد انفراجا سريعا لأزمة العمل وتسيب العمالة واختلال سوق العمل. ولكن لا بد لنا، ونحن ننشد أن نكون مجتمعا مدنيا، أن ندين للقانون وأن نعمل على تطبيقه بعدل وعلى سيادته بشفافية. صحيح أيضا أن المشهد الأخير للحملة التصحيحية كشف الجانب السلبي الذي يتحتم علينا معالجته وتحجيمه قانونيا وذلك بمحاربة العنصرية البغيضة التي كشف عنها البعض في التهجم على جنسيات المخالفين لأنظمة العمل وممارسة بعض التصرفات الفردية الخارجة عن القانون باسم الوطنية كالاعتداء على المخالفين ومطاردتهم مما يشوه سمعة الوطن عالميا ومحليا. ولكن بعض الدلائل اليوم، رغم مرارة الدواء، تشير إلى ارتفاع مستوى الوعي لدى المواطن والمقيم في الالتزام بالقانون واللوائح عندما بدأ العمل بتطبيق القانون بكل صرامة وحزم. والدلائل، رغم بعض الفوضى التي حركتها الحملة التصحيحية، باتت كأنها تحكي قصة مجتمع أفاق من مفعول مخدر طال أمده. ولكن في النهاية، يظل الرابح الأكبر من هذه الحملة التصحيحية هو الوطن بكل فئاته من مواطنين ومقيمين إذا ما تحققت بالفعل الخطط والمشاريع والآليات التي قدمتها وزارة العمل ونفذتها بمشاركة وزارة الداخلية. الرابح هو المواطن بعد أن اكتسب معنى جديدا لثقافة العمل وقيمته. الرابح هو المقيم الذي التزم بالنظام الذي يوفر له الحقوق الإنسانية التي يستحقها. الرابح هو العمالة النظامية وقد أعطيت الفرصة للمنافسة وفق عقود العمل الرسمية. ولنا أمل في غدٍ أكثر التزاما بالقانون، وبقانون أكثر التصاقا بالإنسان. akashgary@gmail.com