استمر المسار العسكري في تصدر المشهد العام في اليمن، بعد إعلان تحرير مدينة عدن جنوبي البلاد من أيدي ميليشيا جماعة الحوثي والمخلوع صالح، فيما استمر الجمود السياسي حيال التعاطي مع القتال والأزمة في البلاد الفقيرة والمضطربة، سياسياً وأمنياً، منذ سنوات. وفي سياق عزم الرئاسة والحكومة اليمنية الشرعية استكمال تحرير المحافظات اليمنية، انطلاقاً من عدن، استمرت عملية السهم الذهبي في استهداف تجمعات وتحركات ميليشيا المتمردين في ضواحي عدن وفي اتجاه السيطرة على منطقة العند الاستراتيجية، التي تضم أكبر قاعدة عسكرية في البلاد. وتعني استعادة قاعدة العند من ميليشيا الانقلاب والتمرد، إمكانية السيطرة على مساحة واسعة في المثلث الجغرافي الذي يضم المحافظات الثلاث المترابطة عدن ولحج وأبين، وبالتالي محافظتي تعز ومأرب، الأمر الذي يمهد الطريق بالاتجاه نحو وسط البلاد ومن ثم الانطلاق إلى شمالها. حتى منتصف الأسبوع المنقضي كانت المقاومة الشعبية، بمعية وحدات الجيش الوطني وبإسناد من طيران دول التحالف، قد مشّطت آخر تواجد لميليشيا صالح والحوثي في منطقتي التواهي وكريتر، حيث تقع أبرز المواقع السيادية في مدينة عدن، التي أعلنها الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي عاصمة مؤقتة للبلاد في فبراير/شباط الماضي. اعتبارات وعوامل عدة دفعت الرئاسة والحكومة الشرعية لخوض معركة عدن والانتصار فيها، والإعلان عن جعلها أيضاً منطلقاً لاستعادة بقية محافظات اليمن من قبضة ميليشيا المتمردين، أبرزها الأهمية الجغرافية لمدينة عدن وانفتاحها على البحر، الأمر الذي مكن قوات التحالف مع المقاومة ووحدات الجيش الوطني المؤهلة مؤخراً، من خوض أول معركة مشتركة على الأرض، منذ بدء القتال في اليمن وبدء عملية عاصفة الحزم. وبدأت معركة عدن بتحرير منطقة عمران على الساحل، غربي المدينة، يوم 13 يوليو/تموز، بعد التهيئة للمعركة واستكمال إنزال العتاد العسكري اللازم، بإسهام فاعل وحاسم من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو العامل الذي مكّن المقاومة من الانتصار في معركة عدن عموماً. ولا يغيب الاعتبار السياسي والإنساني في معركة عدن، لجهة إعلانها مسبقاً عاصمة مؤقتة لليمن، والخروج الاضطراري للرئيس هادي وحكومته منها، وما يستلزمه ذلك من العودة اليها ومن خلالها إلى اليمن، فضلاً عن الوضع الإنساني المتدهور في المدينة، الذي وصل إلى حد لا يحتمل على الاطلاق، ما استلزم ردع ميليشيا المتمردين بقوة ضاربة. انتصار المقاومة في عدن ووصول أول دفعة من وزراء الحكومة الشرعية إليها مطلع الأسبوع، أعطى مؤشراً عملياً واضحاً على بدء انتقال مقاليد الأمور إلى يد الشرعية على الأرض، الذي تزامن مع التقدم العسكري للمقاومة في تعز ومأرب، وتبعته السيطرة على اللواء 119 في محافظة شبوة وعلى ما يعرف بمثلث العند ومحاصرة قاعدة العند العسكرية. وخلال الأسبوعين المنقضيين كانت ميليشيا الحوثي وصالح في مناطق تمددها بمختلف المحافظات، قد وصلت إلى بداية مرحلة الانهيار، الأمر الذي انعكس بصورة جلية في الخطوات الهستيرية لتلك الميليشيات في مدينتي عدن وتعز، بإقدامها، الأحد الماضي، على ارتكاب مجزرة مروعة بحق أهالي مدينة دار سعد، شمالي عدن، راح ضحيتها 100 قتيل وأكثر من 250 جريحاً من المدنيين، فيما كانت تنشر الحرائق في مدينة تعز باستهداف مخزونها من النفط والغاز والكهرباء، فضلاً عن القصف العشوائي للأحياء السكنية وقتل المدنيين فيها. وبدت جماعة الحوثي المتصدرة واجهة الانقلاب والتمرد على الشرعية، في حالة تخبط وإرباك سياسي واعلامي، بعد هزيمتها في مدينة عدن وفقدانها تدريجياً السيطرة العسكرية على مناطق عدة في البلاد، وحالة الإنهاك التي تتعرض لها ميليشياتها وصالح، بفعل الضربات الجوية لطيران دول التحالف وتصاعد عمليات المقاومة ضد تجمعاتها وتحركاتها في محافظات إب والحديدة وذمار. وتجلى الإرباك السياسي في سحب الجماعة لقيادات حوثية من العاصمة والتخلي عن مشروعها في تشكيل مجلس رئاسي، وضعف قدرتها على الاستمرار في التعبئة العامة للقتال، ولجوئها إلى أساليب قسرية في تجنيد أتباعها للحرب، كما أن الإعلان عن التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران، بدا مؤثراً في الجماعة. وفي الأثناء كان الحليف الطارئ للجماعة، الرئيس المخلوع علي صالح، يتخذ مساراً آخر للنجاة بنفسه متكئاً على ما تبقى من حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه من خلال تحريك قيادات في الحزب للقاء بالسفير الأمريكي لدى اليمن في القاهرة، بهدف تحقيق خروج آمن له من الأزمة ومن البلاد، ضمن صفقة محتملة، لم تتأكد تفاصيلها بعد. إعلامياً، كان الإرباك والتخبط صارخين في سلوك جماعة الحوثي، خاصة بعد هزيمتها وحليفها صالح في عدن، وبعد أن أعلن، نائب الرئيس اليمني، رئيس الوزراء د. خالد بحاح، يوم الجمعة 17 يوليو/تموز، مدينة عدن محررة من قبضة المتمردين. ولوحظ ان إعلام الجماعة وتصريحات قياداتها مازالت تصر على أن عدن لم تسقط بيد المقاومة، وأن ميليشياتها وصالح تمكنت مجدداً من السيطرة على مناطق فيها، في حملة إعلامية مضللة، يبدو أنها تستهدف أنصارها، أكثر من استهداف العامة، خوفاً من انهيار معنوي كامل يلحق بهم، وشارك في تلك الحملة إعلاميو صالح وحزبه، رغم حقيقة الوضع في عدن. وفضلاً عن ذلك لجأت الجماعة، عبر ناطقها الرسمي، منتصف الأسبوع المنقضي، إلى تصعيد خطابها السياسي والإعلامي والتهديد بالانتقال إلى خيارات استراتيجية في المواجهة العسكرية، والوعيد بأن ميليشيات الجماعة وصالح ستُقدم على ما وصفها عمليات كبرى ستقلب المعادلة، على حد قوله. ومع التطورات الأخيرة في عدن يتعزز، في سياق المشهد اليمني، الحضور العربي القوي في تجليات القتال والأزمة، خصوصاً الحضور الخليجي المؤثر والحاسم، من خلال القوة الضاربة، التي شرعت في ما يمكن اعتباره تنفيذ بنود القرار الأممي رقم 2016 الذي اتخذه مجلس الأمن، في إبريل/نيسان الماضي، حلاً للأزمة اليمنية، وقضى بتخلي الانقلابيين عن السلطة المغتصبة في صنعاء والانسحاب من المدن التي تمددوا فيها، وإرجاع الأسلحة المنهوبة إلى الدولة، وحدد عشرة أيام فقط لتنفيذه. وبهكذا حضور للتحالف العربي وفي جوهره الدور الخليجي وارتباطه بمقررات أممية، يتحقق تحول لافت في تعاطي السياسية الدولية الجمعية مع الأزمات، لجهة تزاوج الدور الإقليمي مع الدور الأممي، أو تحت مظلته، رغم العلاقات الإقليمية والدولية المضطربة والمعقدة، التي استطاعت دول التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية، تجاوز عقباتها. كما اتسق هذا الدور والحضور في طبيعته وامتداداته مع هدف كبح التمدد الإيراني في المنطقة، الداعم لجماعة الحوثي وانقلابها وتمردها على الشرعية في اليمن.