×
محافظة المنطقة الشرقية

وفاة 4 وإصابة 6 في انفجار بمصنع للألعاب النارية بإيطاليا

صورة الخبر

لم يكن العلويون يُشكلون رقماً مهماً في مدار الطوائف الإسلامية، حالهم كحال الدروز والإسماعيلية والأقليات الأخرى، حيث أن تعدادهم لم يكن يمنحهم قدرة على البروز كلاعب مذهبي أو طائفي وازن، وبالتالي لم يكونوا أصحاب قوة سياسية أو مالية أو تجارية أو عسكرية. لكن الحديث عن الطائفة العلوية بدأ يتعاظم في السنوات الأخيرة وبالتحديد مع دخول سورية في أزمة سياسية ما لبثت أن تحوَّلت إلى حرب أهلية منذ مارس/ آذار من العام 2011م، وذلك كَوْن الرئيس السوري (بشار الأسد) ينتمي إلى الطائفة العلوية، ومعه قيادات في الجيش النظامي والأمن والاستخبارات. ورغم كل الحديث عن العلويين، إلاَّ أنه لم يَرِد أيّ وصف دقيق لحقيقتهم ونشأتهم وجذورهم وعقائدهم، رغم أنه أمر غاية في الأهمية كونه يزيح أي لبس قد ينتج في توصيف واقعهم الديني اليوم. في هذا الملف، تحاول «الوسط» أن تفتح ملف العلويين، نشأة وتاريخاً ومعتقداً: مدخل إلى جانب لفظة «العلويين» وُجِدَ مصطلح «النُّصَيْريين» ليأخذ نفس المعنى. فقد بات كثيرون يتناوبون على وصفهم مرة بالعلويين وتارة أخرى بالـ «النُّصَيْريين». وهو أمر يحتاج إلى شرح وتفكيك، ومعرفة ما إذا كانا يُعبِّران عن حقيقة واحدة أم لكل منهما معنى آخر. كما أن مُسمَّى «عَلَوِيْ» قد يدفع إلى الاعتقاد بوجود رابط بين العلويين والشيعة الإمامية الإثني عشرية، كون الشيعة يرون بأن الخط العلوي الأوسع هو امتداد لأهل بيت النبي محمد (ص)، ومنه خرجت العديد من الحركات السياسية خلال الصراع مع الدولتين الأموية والعباسية. كما أن تلك اللفظة «عَلَوِيْ» كانت تُقرَن بسيرة الأئمة الاثني عشر (بدءًا من الإمام علي بن أبي طالب وحتى الإمام محمد المهدي كما عند الشيعة الإمامية) وفضائهم الفكري. لذلك سنبدأ بتناول تاريخ ومعتقد النُّصَيْرية. النُّصَيْرية وردت أقوالٌ عديدة في النُّصَيْرية. فقد جاء في صبح الأعشى أنهم «فرقة يُنسَبون إلى نصير غلام علي بن أبي طالب (رض) وهم يعتقدون بألوهيته». وهذا الرأي لم تُؤيده كثير من المصادر التاريخية، بسبب التشكيك في هوية الغلام وأصل وجوده، وما إذا كان لـعلي غلام بهذا الاسم أم أن ذلك مكذوب عليه. أما ابن كثير في البداية والنهاية فهو يشير إلى أنهم جماعة خرجت عن الطاعة «وكان من بينهم رجل سموه محمد بن الحسن المهدي القائم بأمر الله، وتارة يدعى علي بن أبي طالب» والذي قال بأنهم يُؤلّهونه. وهو أيضاً من الآراء الضعيفة، حيث أشار مؤرخون إلى أن الكتابة عن النُّصَيْريَّة انطوت على كثير من المغالطات منذ أن نشر حمزة بن علي كتابه المسمَّى «الرسالة الدامغة» وذلك في بدايات القرن الخامس الهجري، والذي شَنَّع فيه بأفكارهم. وقد تحدث مؤرخون آخرون بأن سبب التسمية هو أنه وعندما «فُتِحت جهات بعلبك وحمص، استمد أبوعبيدة بن الجرّاح نجدة، فأتاه من العراق خالد بن الوليد، ومن مصر عمرو بن العاص، وأتاه من المدينة جماعة من أتباع علي (عليه السلام)، وهم ممّن حضروا بيعة غدير خم، وهم من الأنصار، وعددهم يزيد عن أربعمئة وخمسين، فسمّيت هذه القوّة الصغيرة نصيرية، إذ كان من قواعد الجهاد تمليك الأَرض التي يفتحها الجيش لذلك الجيش نفسه، فقد سمّيت الأراضي التي امتلكها جماعة النُّصَيْرية: جبل النصيرية، وهو عبارة عن جهات جبل الحلو، وبعض قضاء العمرانية المعروف الآن ، ثمّ أصبح هذا الاسم علماً خاصّاً لكُلّ جبال العلويين من جبل لبنان إلى إنطاكية». ثم يشيرون إلى أن النعت الحقيقي هو النُّصَيْرَة كما عرّفه المؤرخون المسيحيون، لكنه حُرِّفَ إلى النُّصَيْرية، حيث لم يظهر إطلاق اسم نُصَيْريَّة على الجبل المعروف «إلاّ أثناء الحملات الصليبية، أي بعد عام 498 هـ». وقد وجدتُ هذا الاسم (نُصَيْرَة) في وثيقة علوية عمرها 90 عاماً، تذكرها بشكل بديهي ولا تأتي على لفظة نُصَيْريَّة على الجبل. لكن هناك رأي ثالث ذكره العسكري: وهو أن النُّصَيْرية «تنسب إلى أبي شعيب محمّد بن نصير النميري» الذي «عاش في القرن الثالث الهجري، وعاصر ثلاثة من الأئمّة الاثني عشر (عليهم السلام) ، وهم: علي الهادي، والحسن العسكري، ومحمّد المهدي» إلى أن يقول: «وزعم ابن نصير أنّه الباب إلى الإمام الحسن، والحجّة من بعده، فتبعه طائفة من الشيعة، سمّوا النُّصَيْرية، ولكن ابن نصير لم يكتف بذلك، وإنّما ادعى النبوّة والرسالة، وغلا في حقّ الأئمّة، فنسبهم إلى الألوهية، ولمّا بلغت مقالته الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) تبرّأ منه، ولعنه وحذّر أتباعه من فتنته» كما جاء. وربما كان هذا الرأي هو الأكثر انتشاراً بينهم، وبالتحديد المصادر التاريخية والدينية الشيعية، رغم أن هاشم عثمان (مؤلف كتاب: هل العلويون شيعة؟) ذهب مع القائلين إلى التشكيك بأصل الرجل (النميري). عقائد النُّصَيْريَّة ذكر المقريزي في السلوك لمعرفة دول الملوك عن عقائد النُّصَيْريَّة أن مذهبهم هو «إلهية عَليّ بن أبي طَالب وَأَن الْخمر حَلَال وَأَن تناسخ الْأَرْوَاح حق وَأَن الْعَالم قديم والبعث بعد الْمَوْت بَاطِل وإنكار الْجنَّة وَالنَّار وَأَن الصَّلَوَات خمس وَهِي إِسْمَاعِيل وَحسن وحسين ومحسن وَفَاطِمَة وَلَا غسل من جَنَابَة بل ذكر هَذِه الْخَمْسَة يُغني عَن الْغسْل وَعَن الْوضُوء وَأَن الصّيام عبارَة عَن ثَلَاثِينَ رجلاً وَثَلَاثِينَ امْرَأَة ذكروهم فِي كتبهمْ وَأَن إلههم عَليّ بن أبي طَالب خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَهُوَ الرب وَأَن مُحَمَّدًا هُوَ الْحجاب وسلمان هُوَ الْبَاب». وقد قَرَنهم سيف الدين الآمدي في أبكار الأفكار بالإسحاقية وقال عنهم أنهم «في مسألة استحالة حلول ذات الإله تعالى وصفته في محل». ومسألة التناسخ لم يذكرها فقط المقريزي بل ذكرَّها المعري أيضاً، لكن اختلف معهما الشهرستاني عندما قال بأن النُّصَيْريّة تؤمن: «بظهور الروحاني بالجسد الجسماني». وهناك آخرون نفوا ذلك جملة وتفصيلاً كـمنير الشريف والمحمصاني والزعبي وغيرهم. وبالتالي لم يُوجد إجماع بين المؤرخين على عقائدهم، والشيء الوحيد الذي اتفقوا عليه هو تعظيمهم لـعلي بن أبي طالب وإعطائهم إياه منزلة خاصة. مفارقتان لكن ورد هناك ما يخالف ذلك في أمرين: الأول: هو أن الفرقة النُّصَيْرية التي ذكرها أصحاب المعاجم والسِّيَر، وحسب السبحاني في الملل والنحل «لم يعد لها وجود اليوم» وأن «هذه الفرقة قد بادت لا تجد أحداً يتبنّى أفكارها بين المسلمين، إلاّ إذا كان مغفّلاً أو مغرضاً، وربّما تكون بعض هذه النسب ممّا لا أصل له في الواقع». الأمر الثاني أن محمد بن نصير النميري لم يكن هناك إجماع على انحرافه، بل كان شخصية جدلية. وحسب رأي ابن الغضائري نقلاً عن أبي محمد بن طلحة بن علي بن عبد اللّه بن غلالة، أن أبا بكر بن الجعابي قال: «كان محمد بن نصير من أفاضل أهل البصرة علماً» وجاء ذلك أيضاً في منتهى المقال للمازندراني، فضلاً عن أن عديداً من المؤرخين نَسَبَ صحبته إلى الأئمة الثلاثة: الجواد والهادي والعسكري. إلى أن يقول صاحب الملل «وأخيراً تحيّروا في أمر هذا الرجل ووضعوا اسمه في قائمة المشتركات». وهي نتيجة يؤمن بها العلويون اليوم وهي أن كثيراً من الأباطيل ألصِقَت بالنميري. العلويون بعد أن تحدثنا باستفاضة عن النُّصَيريّين نأتي الآن للحديث عن العلويين، وسنعتمد على مجموعة من المصادر ومن أهمها المصادر العلوية نفسها بدل الاعتماد على ما كُتِبَ عنهم وذلك توخياً للحياد، وأخذ المعلومة من مصدرها الأول. بالرجوع إلى النشأة سنجد أن العلويين ينسبون جذورهم إلى بداية ولادة الإمام علي بن أبي طالب، ثم يتمدَّدون في الاتِّبَاع العقائدي على ذريته من أبناء نجله الحسين وهم الأئمة (من الحسين بن علي) حتى المهدي المنتظر، بالضبط كما هم الشيعة الإمامية الاثنا عشرية مع إضافات سنُعرِّج عليها لاحقاً. والذي يظهر أن العلويين لم يكونوا مذهباً مستقلاً بحد ذاته في بداية صدر الإسلام بل هم تشكلوا لاحقاً وبالتحديد في السنة الستين بعد المئتين للهجرة (إذا ما سلَّمنا أن النميري مرجعهم الأول). لذلك سنجد أنهم ينسبون أنفسهم إلى كافة الدول الشيعية التي حكمت الأمصار الإسلامية سواء في مصر أو المغرب العربي، ويعتبرون أنفسهم جزءًا منها، لكنهم في نفس الوقت كانوا يُميّزون ما بين العلويين البويهيين في الشرق والعلويين التغلبيين في الشمال والفاطميين في الجنوب. والذي يبدو أن لفظة «العَلَوِيْ» في ذلك الأوان لم تتشكَّل بعد بصورة قطعية أو أتى عليها الفرز؛ بمعنى أن العلويين الذين واجهتهم الدولتان الأموية والعباسية والذين كانوا يُوصفون على أنهم شيعة علي بن أبي طالب هي ذاتها التي ينتمي إليها العلويون موضع البحث. هذا على مستوى التاريخ، لكن مع ظهور عدد من القيادات الدينية التي تلت حياة الإمام الحسن العسكري، بدأت بواكير الكَيْنَنَة العلوية تظهر واستمرت جنينية، دون إغفال تطورها العقائدي، الذي جعلها لا تتسمَّى بالنُّصَيْريَّة في فترة ما. العقيدة العلوية يؤمن العلويون بالله وبنبوة محمد (ص) وبكافة الأنبياء والرسل ويقولون الشهادتين (لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه) ويؤمنون بالقرآن الكريم وبإمامة علي بن أبي طالب وأبنائه الأحد عشر المعصومين. كما يؤمنون بالصلاة والصوم والحج والزكاة والجهاد في سبيل اللّه والمعاد في اليوم الآخر، وكتابهم القرآن. أما أصول الدين لديهم فهي التوحيد والعدل والنبوّة والإمامة والمعاد. وقد جاء في البيان المؤرخ في 3 أغسطس من العام 1938م وممهور بتوقيع الشريف عبد الله آل علوي الحسني وذكرها هاشم عثمان بأن «العلويين بإجماعهم المطلق يُعلنون في الدنيا والآخرة أنهم على شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً عبده ورسوله شهادة حق وصدق، فمن آمن بالشهادتين والوحدانية فهو منهم ومَنْ جحدها فهو غريب عنهم كافر بهم». يُقسِّم العلويون تاريخهم العقائدي إلى أربعة أدوار: الدور الأول هو الذي يشمل الفترة من بيعة غدير خم وحتى فاجعة كربلاء. وهي بالتالي تشمل حقبة ثلائة أئمة، وهم الإمام علي بن أبي طالب ونجليه الحسن والحسين. والدور الثاني هو الذي يشمل الفترة الممتدة من شهادة الحسين بن علي ولغاية وفاة جعفر الصادق، ما يعني أنها تشمل كل من الإمام الرابع علي بن الحسين والخامس محمد الباقر والسادس جعفر الصادق. والدور الثالث ويشمل الفترة من الإمام السابع موسى الكاظم ولغاية غيبة الإمام الثاني عشر محمد المهدي، شاملة الإمام الثامن علي بن موسى الرضا والإمام التاسع محمد الجواد والإمام العاشر علي الهادي والإمام الحادي عشر الحسن العسكري. والدور الرابع ويمتد من غيبة الإمام محمد المهدي إلى وفاة الأمير حسن المكزون السنجاري (265 هـ - 360 هـ). ومن هذا الدور يتضح المشهد العقائدي للعلويين. فالعلويون يعتقدون أنه ومن بعد غياب الإمام المهدي حصل «انقطاع الإمامة» لذلك اجترحوا لهم رأياً أسَّسوا عليه فكرهم وعقيدتهم اعتماداً على قول الرسول (ص): «أنا مدينة العلم وعليّ بابها». لذلك قالوا بأن لكل إمام من الأئمة الاثني عشر باباً يُعتبر خاصته وثقته. فكان سلمان الفارسي باباً للإمام علي بن أبي طالب وقيس بن ورقة باباً للإمام الحسن المجتبى، ورشيد الهجري باباً للإمام الحسين، وعبد الله الغالب الكابلي باباً للإمام علي بن الحسين، ويحيى بن معمر بن أم الطويل باباً للإمام محمد الباقر، وجابر بن يزيد الجعفي باباً للإمام جعفر الصادق، ومحمد بن أبي زينب الكاهلي باباً للإمام موسى الكاظم، والمفضل بن عمر باباً للإمام علي الرضا، ومحمد بن مفضل بن عمر باباً للإمام محمد الجواد، وعمر بن الفرات باباً للإمام علي الهادي، وأبو شعيب محمد بن نصير البصري النميري باباً للإمام الحسن العسكري. أما الباب الخاص بالإمام محمد المهدي فقد قال ابن الطويل «فلم يكن له باب، بل بقية (وأظنه قَصَد بَقِيَتْ) صفة الباب مع السيد محمد أبي شعيب البصري، وعند تغيّب المهدي كان الباب موجوداً، والباب من جملة التشكيلات الدينية الأساسية». انقسام العلويين لكن وكحال أي جماعة دينية لها عقيدة عليا تمثلها شخصية كارزمية، فقد انقسم العلويون بعد وفاة الإمام العسكري إلى ثلاث فرق: الأولى هي التي اتبعت أبا شعيب النميري، والثانية اتبعت أبو يعقوب إسحاق النخعي (وهم الإسحاقيّة) والثالثة هم الذين لم يتَّبعوا الاثنين بل اكتفوا بما أوصاه الإمام الصادق بدون أن يكون لهم زعامة. والذي يظهر أن العلويين من أتباع النميري كانوا يرون بطلان الدعوة الإسحاقيّة وابتداعها، لذلك قام الأمير المكزون السنجاري بحرق كتبهم والقضاء عليهم كما تذكر المصادر العلوية ذاتها. وتشير التدوينات العلوية أنه وبعد وفاة النميري جاء أبو محمد عبد الله بن محمد الحنان الجنبلاني رئيساً للعلويين في القرن الثالث الهجري، وهو الذي شكَّلهم بصورة أكثر وضوحاً. وكان لديهم أيضاً أبو القاسم جنيد بن محمد بن جنبد الخزار القواريري والحسين بن حمدان الخصيبي المصري. من ذلك يظهر أن العلويين هم ليسوا نُصَيْريين في عقائدهم كما كان الأوّلون. كما أن الاسم الرسمي لهم هو: المسلمون العلويون. على الرغم من أن أحد علمائهم المعاصرين وهو الشيخ حسين بن محمد المظلوم ذكر في جواب له أن العلويين هم «مسلمون وفق منهج علي (ع) باب المدينة وربان السفينة، وأن محمد بن نصير هو الباب الشرعي للإمام العسكري، حيث اتخذ الآخرون باباً غيره، ومن هناك وقع الخلاف في الامتداد وليس في الأساس، أي في الأبواب وليس في الأئمة» إلى أن يقول: «لم نطلق على أنفسنا هذا اللقب (النُّصَيْريون) مع اعتزازنا به، بل أطلِق علينا من قِبَل الآخرين لعدة أسباب: (1) تغييب الإسم الحقيقي وهو المسلمون العلويون. (2) محاولة واضحة من الآخرين ليلصقوا بنا التهم الباطلة التي نسبوها إلى السيد محمد بن نصير (رض). ومن هذا يظهر بأن العلويين كان لهم تطور في العقائد والموقف من التاريخ ذاته، كون المرجعيات التي توالت بعد النميري والجنبلاني وغيرهم شكَّلت المفاهيم العلوية بشكل يختلف عن المفاهيم الأولى. لكن، فَقَدَ العلويون خلال فترة الضمور الممتدة من 1150م - 1516م القدرة على التشكُّل الفكري والفقهي والعقائدي المتماسك والمفهوم الذي يجعلهم أكثر وضوحاً. وخلال تلك الفترة انبرى كثيرٌ من العلويين إلى التحدث عن المذهب والمعتقدات العلوية دون إدراك، وهو ما يفسره قول أحد مشايخهم الذي أتينا على ذكره (وهو الشيخ حسين بن محمد المظلوم) الذي يقول: «إن بعض الموتورين من أبناء الطائفة يُعرقل سيرها (أي توثيق الإرث العلوي) بكتابات مناقضة للواقع العلوي، وهذا ما يؤسف له، فعوضاً عن الرد على الآخرين فإننا نضطر أحياناً للرد على الأقربين». أمام ذلك يتبيَّن أيضاً أن العلويين ليسوا شيعة كما هم الشيعة الإمامية الاثنا عشرية اليوم وبعقائدهم وثقافتهم، لكنهم يقولون بأن «العلويين والشيعة طائفتان لا مذهبان» يلتقون في الكُّلِّيات ويختلفون في الجزئيات. لذلك فالعلويون يختلفون عن الشيعة في الكثير من المعتقدات كالإنابة وولاية الفقهاء والمسمّيات الفقهية وفي الموقف من أبي شعيب. لذلك يقول ابن الطويل أن «العلويين يمتازون عن بقية الجعفرية أي الاثني عشرية في انتسابهم في الآداب الدينية للطريقة الجنبلانية» وهو ما يؤكد تمايزهم عن الشيعة، في حين يقول في موضع آخر: «لم يكن للعلويين ديانة خاصة أو مذهب خاص كما يظن البعض بل هم مسلمون شيعيون جعفريون». تجدر الإشارة هنا إلى أن أول عالِم دين شيعي اعترف بالعلويين بأنهم مسلمون شيعة كان الإمام موسى الصدر مطلع سبعينيات القرن الماضي. وعندما ترجع إلى الافتراق العلوي (كما يُسمَّى) نجد أن التباينات التي حلَّت بالطائفة العلوية والتي أنتجت فرقاً وتيارات دينية سنرى أن لا صلة لها بالشيعة الإمامية الاثني عشرية، فقد انشطر العلويون إلى الغيبية والكلازية والحيدرية والماخوسية والنياصفة والظهورية رغم أنهم ينفون أن يكون هذا الافتراق هو افتراق مذهبي، كون الجنبلانية تجمعهم كما يذكر محمد بن علي ابن الطويل. الديمغرافيا العلوية يذكر الغَزِّي في نهر الذهب في تاريخ حلب أن العلويين هم «طائفة يتكلمون بالعربية» ويسكنون في «إيالة حلب السويدية وجبال القصير وجبل السماق والجبل الأقرع» إلى أن يقول: «وهم أصحاب كَدٍّ وتعب ومعرفة في الفلاحة والزراعة وتربية دود الحرير». وتذكر مصادر التاريخ أن «معظم أجداد العلويين القدماء هم من بني غسان» الذين هم من الأزد ممن استوطنوا حوارن، وأطلِقَ عليهم الغسانيون «لأنهم نزلوا على ضفاف نهر غسان». ويظهر من الوثائق التاريخية أن العلويين كان لهم امتداد جغرافي أوسع مما ذكره الغَزِّي يمتد إلى بغداد وعانة وحلب واللاذقية وجبل النُّصَيْرة. لذلك نجد أنه وعندما جاء الحديث عن السنْجارية، وُصِفَت على أنها «عشائر جاءت سنة 620 هـ تحت قيادة الأمير حسن بن يوسف المكزون السنجاري، لانقاذ علويِّ جبل العلويين بسورية» كما جاء في معجم قبائل العرب القديمة والحديثة لـعمر رضا كحالة، وربما فسّر ذلك أن العلويين لا رابط اجتماعي لهم سوى الرابط العشائري على مر التاريخ، وأن امتدادهم يصل إلى شمال العراق الذي قَدِمَ منه السنجاري (ربما نسبة إلى جبل سنجار). وقد جاء في الملل والنحل للسبحاني أن العشائر العلوية الرئيسة هي «أربع: الحداديون والنميلانيون والرشاونة والخياطيون، وتنقسم كلّ واحدة من هذه العشائر إلى أفخاذ وبطون، وترجع الثلاث الأولى منها إلى عشيرة المحارزة البشازعة التي هي أقدم العشائر جميعاً». ثم يقول: «ومن عشائرهم نواصرة وقراحلة ورشاونة ورسالنة، وجروية باشوطية ومقاورة، ومهالبة، فهم يرجعون في نسبهم إلى فرعين رئيسيين: فرع القبائل اليمنية (العرب القحطانيين) من همدان وكندة، وفرع القبائل الشاميّة والعراقية من غسّان وبهرا وتنوخ». لكن على ما يظهر أن مركز العلويين بشكل أساسي كان في «بادية الشام أوّلاً ثمّ نزحوا إلى ديار ربيعة في الجزيرة الفراتية، وفي العهد العثماني تركوا بلادهم وسكنوا بيلان، أضنة وأنطاكية وقسم منهم سكنوا منطقة الكلبية بقرب اللاذقية في سورية وقسم آخر منهم في جبال البهرة مع الاِسماعيليين، وتسمى جبال لكام، وقسم آخر منهم في جند الأردن وطبريا بالقدس المحتلة، ومعظم العلويين يحتشدون في سلسلة الجبال الممتدة من عكار جنوباً إلى طوروس شمالاً، ويتوزع بعضهم في محافظات حمص، حماة ودمشق وحوران كيليكيا ولواء الإسكندرون» وفي الخارج «يوجد في المهاجر الأميركية أكثر من ربع مليون علوي فضلاً عن الموجود منهم في لبنان والعراق وفلسطين وإيران، وكذلك في أُوربا من تركيا واليونان و بلغاريا إلى ألبانيا السفلى» كما في الملل. وبالعموم فإن أهم تواجد للعلويين اليوم هو في تركيا وسورية. ففي تركيا ووفقاً لتقرير أعدته إحدى أعضاء حزب الشعب الجمهوري (سباهات اككيراز) قبل ثلاثة أعوام فإن أعداد العلويين في تركيا هو 12 مليوناً و521 ألفاً و752 نسمة (16.3 في المئة من عدد السكان) موزعين على وسط الأناضول وبعض مدن جنوب شرق تركيا كمحافظة تونجلي وإسطنبول ومرسين، رغم أن هناك تقديرات غير رسمية تذهب إلى أنهم 14 مليون وأخرى تقول 20 مليون نسمة. أما في سورية فيبلغ عددهم مليونان و760 ألف نسمة (12 في المئة من عدد السكان). الخاتمة من كل ما ذُكِر، يظهر أن ملف العلويين شائك ولا يمكن تناوله بطريقة استسهالية، وهو ما يؤكد عدم صحة خلط الشأن السياسي بالشأن الديني للطائفة العلوية. كما أن تاريخهم وعقائدهم انطويا على كثير من الغموض، فضلاً عن التشكيك والاتهام، ربما لأسباب عديدة من بينها الصراع الذي دخل فيه العلويون مع الدول في الزمان الغابر، ولاحقاً مع الفرنسيين.