على الرغم من متابعته الدائمة سواء لتصريحات كبار المسؤولين العراقيين أو حتى هفواتهم وزلات ألسنتهم فإن وسائل الإعلام العراقية تجاهلت التصريحات التي أطلقها نائب الرئيس العراقي نوري المالكي عبر قناة «آفاق» التابعة لحزبه «الدعوة» ضد المملكة العربية السعودية والتي دعا فيها إلى وضع المملكة «تحت الوصاية الدولية». وبينما لم تنقل أو تتطرق أي من وسائل الإعلام العراقية إلى تصريحات المالكي، بما فيها وسائل الإعلام المقربة منه، فإن رئاستي الجمهورية والوزراء أكدتا في تصريحين منفصلين لـ«الشرق الأوسط» التزام العراق بإقامة أفضل العلاقات مع السعودية، فقد أكد المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، خالد شواني، أن «التصريحات التي صدرت عن السيد نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي تصريحات شخصية لا تمثل الرأي والموقف الرسمي لرئاسة الجمهورية في العراق». وأضاف شواني أن «رئيس الجمهورية فؤاد معصوم سعى وسوف يسعى إلى تطوير وإقامة أفضل العلاقات مع المملكة العربية السعودية، وأنه سبق أن عمل على هذا النهج وسوف يستمر عليه، علما بأن هذا النهج حقق نتائج جيدة حتى الآن». بدورها، أكدت الحكومة العراقية وعلى لسان المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء حيدر العبادي موقفها الثابت لتطوير العلاقات بين العراق والسعودية. وقال المتحدث باسم المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء سعد الحديثي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «موقف الحكومة العراقية لم يتغير حيال طبيعة العلاقات التي تربطها مع دول العالم، وفي المقدمة منها دول الجوار الجغرافي العربي والإسلامي، ومن ضمنها المملكة العربية السعودية، وذلك في إطار السياسة الجديدة التي اتبعتها الحكومة الحالية منذ تشكيلها العام الماضي والقائمة على أساس الانفتاح على دول المنطقة من منطلق المصالح المتبادلة ومواجهة المخاطر والتحديات». وأضاف الحديثي أن «العراق كان قد بدأ عقب تشكيل هذه الحكومة سياسة انفتاح وفتح صفحة جديدة مع جميع الدول بما فيها المملكة بهدف حل المشكلات العالقة وتنمية العلاقات الثنائية في إطار رؤية مبنية على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لكلا الطرفين، وكذلك التنسيق في مواجهة تنظيم داعش الذي بدأ يهدد دول المنطقة كلها مما يتطلب مواقف موحدة من قبل الجميع»، مؤكدا أن «العراق كان السباق في تجسيد هذه العلاقة الجديدة مع دول الخليج العربي وفي مقدمتها السعودية من خلال الزيارات التي قام بها كبار المسؤولين العراقيين، والتي أسفرت عن خطوات سعودية ملموسة من خلال إعادة فتح السفارة وتهيئة الأرضية المناسبة لذلك وتسمية السفير وزيارة الوفد الفني السعودي، وهي خطوات مشجعة، علما بأن العراق يتطلع إلى زيارات يقوم بها مسؤولون سعوديون إلى العراق». وأوضح الحديثي أن «العراق يتطلع إلى مشاركة فاعلة لدول المنطقة وفي المقدمة منها الدول الشقيقة بعيدا عن سياسة المحاور التي نرفضها من أجل وضع استراتيجية لمواجهة الإرهاب الذي بات يطال الجميع، علما بأن العراق يقاتل الآن نيابة عن العالم ودول المنطقة لدرء هذا الخطر الذي يتطلب مزيدا من التعاون والتقارب بين دوله». من جهتها، استنكرت الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي تصريحات المالكي، ووصفتها بأنها غير مسؤولة، خصوصًا أنها تصدر عن مسؤول يتولى منصبًا رفيعًا في الحكومة العراقية، مؤكدة أنها تتعارض مع ميثاق منظمة التعاون الإسلامي الذي يدعو إلى تعزيز العلاقات بين الدول الأعضاء على أساس العدل والاحترام المتبادل وحسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء. وأشارت الأمانة العامة إلى أن هذه الادعاءات تنافي الواقع بالنظر إلى ما تضطلع به السعودية من دور فاعل ومقدر في مكافحة الإرهاب والتطرف على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي، وكذلك في سياق ما تقوم به المنظمة من جهود في هذا الصدد. وأكدت أن إطلاق مثل هذه التصريحات أمر غير مبرر، ولا يساهم في دعم علاقات التعاون والتضامن والأخوة بين الدول الأعضاء في المنظمة وشعوبها، ويغذي الأجندة الطائفية والمذهبية، في الوقت الذي يجب أن تتضافر فيه جهود الجميع لمواجهة التحديات المشتركة ومحاربة الإرهاب والفكر المتطرف وخطر الانقسام الطائفي، والعمل معًا من أجل توحيد الصف وجمع الكلمة وتقريب وجهات النظر، والتأكيد على ما هو مشترك وجامع وموحد. وأشار السفير طارق علي بخيت، مدير إدارة الشؤون السياسية في منظمة التعاون الإسلامي، إلى أن المنظمة ترفض تصريحات المالكي ضد السعودية، ووصفها بأنها غير مقبولة، لأنها لا تعبر عن الواقع لأن السعودية اتخذت خطوات حازمة في مواجهة الإرهاب داخل المملكة ولها تجربة كبيرة تحظى بتقدير إقليمي ودولي، ولعبت السعودية دورًا أساسيًا في تبني مواقف وقرارات داخل المنظمة لمكافحة الإرهاب والفكر المتطرف، وقدمت مبادرات عدة في هذا الصدد. ولفت السفير بخيت إلى أن السعودية استضافت مؤتمرات دولية عدة لمكافحة الإرهاب، كما جرى إنشاء المركز الدولي لمكافحة الإرهاب تحت مظلة الأمم المتحدة بمبادرة سعودية، وقدمت له دعمًا ماليًا بلغ 110 ملايين دولار، الأمر الذي أشادت به الأمم المتحدة والمنظمات الدولية. وأكد أن تصريحات المالكي العدائية ضد السعودية مخالفة لميثاق المنظمة الذي يدعو لعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واحترام سياسية حسن الحوار وميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية، ولا تصب في مصلحة الجهود التي تبذل في إطار المنظمة لتقوية الصف الإسلامي على جميع المستويات لمواجهة التحديات المشتركة.