×
محافظة المنطقة الشرقية

انجذاب رواد مهرجان عيد وصيف حفر الباطن

صورة الخبر

أصدرت السينمائيّة والمدوّنة ومنتجة الأفلام القصيرة السوريّة مارسيل العيد مجموعة قصصية بعنوان «من هنا» (دار هماليل، 2015)، وهي تضم ثماني عشرة قصّة قصيرة لا يتعدّى حجم الواحدة منها الخمس صفحات عموماً. واتّسمت قصص العيد بواقعيّتها، بتوهّجها، وبنهاياتها الصادمة وغير المتوقّعة. موضوعات اجتماعيّة حياتيّة تطرقها الكاتبة، هي ما زالت حاضرة ومؤلمة في سورية وفي مجتمعاتنا العربيّة عموماً وفي يوميّاتنا الرازحة تحت الرجولة الخاطئة والأنوثة الخائفة والقانون المخفيّ خلف سطوة المستبدّين والطغاة. في ما يتعلّق أوّلاً بالقصّة التي حمل عنوانها الكتاب «من هنا»، فهي قصّة تجاعيد امرأة، قصّة تجاعيد حياة ومجتمع. فتروح يدا الطبيب الجرّاح تمحوان تجاعيد عمر المرأة الواحدة تلو الأخرى، تجعيدة الحبّ الأوّل، تجعيدة الزواج التقليديّ، تجعيدة الطفل الأوّل، تجعيدة الخيانة الزوجيّة، وتجعيدة الزوج الذي يخون ويخفي ويحاول على قدر المستطاع الحفاظ على ماء وجهه. قد يتمكّن طبيب التجميل من محو التجاعيد عن وجه المرأة لكنّه لن يستطيع محوها من قلبها. قصص متعدّدة تلتقي في موضوعاتها، فيقع القارئ على موضوع التحرّش الجنسيّ مثلاً. فأوّلاً في قصّة «بائع السكاكر»، تتناول الكاتبة دواخل نفسيّة المرأة التي يتمّ التحرّش بها، فهي من سنٍّ صغيرة تروح تفكّر بأنّ تحرّش الرجل بها هو خطأها هي وليس ناجماً عن مرضٍ نفسيٍّ وحشيٍّ قابع فيه. منذ سنٍّ صغيرة تروح تشعر الفتاة بالعار لتحرّش الرجل بها وكأنّه إثمها وكأنّها المذنبة، فتخفي الأمر وتخشى أن يفتضح أمرها. تقول الفتاة الصغيرة التي يتحرّش بها بائع السكاكر في القصّة: «هل أخبر أمّي؟ ولكن هي ستعاقبني وتؤنّبني، لأنّها بالتأكيد كانت غلطتي. هذا الرجل كبير وصاحب بقالة، ولن يطلب منّي تلك القبلات إن لم أكن قد فعلتُ شيئاً! ويتحوّل هذا التحرّش إلى فعل اغتصاب في «قصّة طويلة باختصار». وهذه المرّة أيضاً تكون المرأة هي الملامة، فيضربها زوجها ويعاقبها ويسجنها في غرفة الضيوف لأنّها اغتُصبت! وإلى جانب مشكلات المرأة مع الرجل والمجتمع، إلى جانب المسائل التي ما زالت المرأة تعانيها في عالمنا العربيّ والتي تبدو للوهلة الأولى غير مقبولة ورجعيّة لدرجة أنّ العقل لا يصدّق أنّها ما زالت موجودة، يقع القارئ على مشكلات العائلة، مشكلات التربية، مشكلات القيم الاجتماعيّة. فقصص متعدّدة تتناول شوائب النظام التربويّ ونظام الحياة المملوء بالعيوب والعِقَد التي يتناقلها أفراد المجتمع أباً عن جدّ كما في قصّة «درس في الأدب» حيث يعلّم الأب أولاده أصول التصرّف الحسن بينما هو نفسه لا يلتزمها عندما يكون وحده. أو قصّة «ما يفعله الرجال» التي تنقل بواقعيّة مؤلمة ما يعتبره الرجال قوّة وصلابة فيما هو في الواقع بدائيّة في التفكير: «لا تبكِ... الرجال لا يبكون، وأنت رجل! كان عمره أربعة أعوام عندما وبّخه والده على بكائه ... وكأنّ الرجولة تمنع البكاء واللعب والفرح والحبّ، تمنع العيش والانسانيّة والحنان والأناقة في التصرّف. وتظهر موضوعة ثالثة إلى جانب الموضوعتين السابقتين، هي موضوعة المشكلات السياسيّة في المجتمع. فتتناول الكاتبة مسألة الظلم السياسيّ وتحكّم رجال السلطة بأهل البلاد وذلك في قصّة «لحظة» التي تمتدّ على ثلاثة أجزاء، وهي مبدئيّاً أطول قصّة في هذه المجموعة. ويظهر غياب العدل الاجتماعيّ والظلم كذلك في قصّة «محاكمة». أمّا قصّة «الرقم...؟» فهي من أقوى قصص المجموعة وأعمقها، فهي قصّة شاب طموح متعلّم له حبيبة يحبّها ويحلم بها، لكنّه اضطرّ إلى تركها والتوجّه إلى الحرب هو الذي لا يفقه شيئاً في أمور السياسة. يصف الشاب ببساطة ودقّة موجعتين تحوُّلَه من شاب له اسم ومستقبل وطموح إلى رقم، إلى جثّة سيُضاف رقمها إلى العدد الذي سيظهر في أسفل شاشة التلفاز: «أنا رقم، أو بالأحرى أصبحتُ رقماً منذ تمّ نقلي إلى هذا المقرّ الجديد. طبعاً كان لي اسم والآن لم يعد مهمّاً أن أذكره! ... «من هنا» المجموعة القصصيّة الأولى للكاتبة السوريّة مارسيل العيد، مجموعة خفيفة سلسة جذلة، مكتوبة بلغة بسيطة، قريبة المتناول، هادئة. قصص شخصيّات لها أسماء وأعمار ومشاعر، وجوه نعرفها، تشبهنا، نلتقي بها أحياناً، ونراها في مرآتنا في أحيانٍ أخرى.