لاتزال الفكرة السائدة بين الناس مستهجنة منذ أمد قديم، علماً أن السائد يسيطر على الحقائق اليقينية، وبذلك يفقد قيمة الضمير وظائفه تدريجياً وتتحول أغلب القضايا المحورية إلى أفكار غامضة، تستغرق وقتاً طويلاً لحل رموزها. إن السلطة في أي مجتمع تكمن في رأي الأغلبية، وقد جاءت الدراسات إلى أن استناد عامة الناس إلى الآراء المكررة والسائدة تعد بنسب كبيرة، وتعاضد بعضها بعضاً في هيئات مختلفة، وتتشكل حسب بيئة وشخصية الإنسان والمحيط، فقال جيل بايو: يُصاب أغلب الناس برأي مثلما يصابون بالحصبة وذلك بفعل العدوى. وفي المقابل نجد قلة من الناس تحتكم إلى آراء مخالفة وقناعات مختلفة، وبالتالي تفتقد القاسم المشترك الذي يجمعها مع بعضها، وتخفي صوابها وأخطاءها داخل أذهانها، ثم تتحول تلك الأفكار بالجملة من مكاسب إلى إخفاقات، وذلك عندما يجر المجتمع معه وعي الأخلاق إلى هدم الأخلاق، فالجشع المادي ماهو إلا تجاوز للغاية، ومنع الإنسان من القيام بواجبه عندما يكون قادراً عليه، ولا يستطيع بعدها حماية نفسه وحقوقه وممتلكاته من الفوضى العارمة، التي ملأت الشوارع والأحياء العشوائية من جراء العمالة غير النظامية، والتي لا تكاد مدينة من مدننا الرئيسية تخلو منها، وتزرع مشاكل في العمق يصعب حرثها، أما السؤال الذي يدور بخلد الناس، ماسبب النزاع القائم حالياً بين العمال والمجتمع، هل هي عدائية تجاه الظروف أم تجاه القانون والنظام، أم هي من أجل الحفاظ على النوع فقط ؟ لا يستطيع أحد أن يجزم بالإجابة هنا، لأن على الجميع مراعاة ظروف المناسبات، سواء كانت تقاليد قديمة أو متجذرة في أرض الخليج بحكم النفط واستقدام العمالة منذ تأسيس هذه الدولة الرشيدة، وكل مايلزم هنا هو الاستعانة بآليات تكبح الدوافع التي تحرض على العنف، وتثير غريزة الانفعال. بيد أنه يجب على الكل إدارة الواجب، وعدم التخاذل عن أدائه، إذ أن العمل على تقليص حجم الاستقدام، ونشر خصائص الالتزام بالقوانين والأنظمة وفق الدولة، يحمل بين ملفاته وبنوده حلولاً وتصورات واقعية، توازن بين الرضا والسعادة والمصلحة، وينبغي أيضا الاعتراف بحقوق الآخرين وعدم الخلط بين السلطة والعنف، لأن العنف في مجمله سلوك مدمر، ولقد وجدنا هذه الأعداد الهائلة التي تسعى إلى الإقامة النظامية في المدة التي حددتها الدولة مشكورة، بعدما صالت وجالت في ربوع البلاد بلا حسيب أو رقيب، ولا يخفى على الجميع أن هؤلاء نتيجة أخطاء فردية اعتلت مراكز عليا مؤسساتيه، باعتبار أن العقاب لا أهمية له، واستغلال النظام والقوانين، مما جعلهم يسيطرون على الاقتصاد وغالبية المهن، ولكن بعدما عادت العقول إلى وعيها، وانتاب الوعي الأخلاقي الشقاء، هرعوا إلى تسوية العلاقة مع السياسة المشروعة وغير المشروعة التي تخضع إلى صراع مادي لا ينتهي. لقد شعر المواطن بالظلم عندما سلب الوافد اقتصاد بلاده وانتهك حقوق صلاحياته كموظف وصاحب سيادة، وسيطر على استثمار الموارد الفردية بمعاونة بعض الأسماء الفاعلة في الاقتصاد المحلي والاجتماعي، ولا ننسى دور الجانب المؤسساتي الذي يتمثل في المجالس والهيئات، فعليهم الانتقال من الحق الطبيعي إلى الحق المدني، وإتاحة مفهوم توطين العمل في جميع القطاعات بلا محسوبية أو نشاطات خفية تجلب معها التفاضل غير المشروع، إن المواطن يريد عملاً يكفل له الرفاء والازدهار والنمو الاقتصادي، وفق مؤسسات الدولة، التي تضمن له حقوقه وتوجهه وتحرص على أهدافه، ثم يترتب على الجميع رفع شأن هذه الحقوق، وعلى الذات دور كبير أيضا، عليها أن تتجاوز أنانيتها وانغلاقها وفق القوانين الأخلاقية التي يؤسسها الواجب.