تولد المحطات النووية حوالي 11 % من الطاقة الكهربائية العالمية في 31 دولة ولذلك أصبحت الطاقة النووية السلمية مطلباً للمزيد من الدول حول العالم، خاصة التي لا تملك احتياطيات كبيرة من الغاز والفحم الحجري أكبر مصدرين لتوليد الكهرباء بالعالم. ويكفي أن نعلم أن طاقة طن واحد من الوقود النووي تعادل ما يتولد عن احتراق 20 مليون طن من الفحم. وهذا ما يجعل الصين وروسيا والهند وكوريا الجنوبية وأمريكا وباكستان تتهافت لبناء المزيد من المفاعلات النووية. وأطلقت دولة الإمارات برنامجها للطاقة النووية لانتاج الكهرباء في عام 2009م بمنح عقد لكونسورتيوم كوري جنوبي. ولقد أعلنت الإمارات أن برنامجها النووي سيرتكز على عوامل السلامة وحظر الانتشار النووي وكذلك الامتناع عن التخصيب وأصدرت الامارات قانونا يحظر تطوير أو إنشاء أو تشغيل أي منشأة لإعادة معالجة الوقود المستهلك أو تخصيب اليورانيوم ضمن حدودها. وفي ذلك كانت الامارات واضحة وشفافة مع المجتمع الدولي. ومن جهة اخرى فلقد اشغل برنامج ايران النووي العالم. رفضت إيران التخلي عن برنامجها لتخصيب اليورانيوم، معتبرة أن البرنامج ضروري لأمن الطاقة لديها. ولمعالجة المخاوف من تخصيب اليورانيوم، عرضت إيران لوضع المزيد من القيود على برنامجها لتخصيب اليورانيوم بما في ذلك السماح بعمليات تفتيش أكثر صرامة. عملية التخصيب هي ببساطة فصل نظائر اليورانيوم. يوجد في الطبيعة يورانيوم -238 بنسبة 99.3 % (غير قابل للانشطار) ويورانيوم -235 (قابل للانشطار) بنسبة 0.7 %. وعندما يصل محتوى يورانيوم -235 إلى 90 % عن طريق الفصل يصبح المحتوى صالحا لعمل القنبلة. تحتاج إيران إلى عشرات الأطنان من اليورانيوم كوقود سنوي للمحطات النووية ولكنها تحتاج إلى 25 كيلوجراما فقط من اليورانيوم المخصب لصنع قنبلة. ان نسبة التخصيب في المحطات النووية تبلغ 4-5 % بينما القنبلة تحتاج إلى 90 % من التخصيب. تملك إيران اليوم محطة نووية واحدة في بوشهر بمساعدة من روسيا وحتى تبقى هذه المحطة عاملة لابد من تزويدها بالوقود المخصب الذي تشتريه من روسيا. لاشك ان الوصول الى 90 % من نسبة التخصيب أصعب من الوصول إلى 5 % ولكنه ليس بالأمر الشاق. ويقول الخبراء إن أصعب خطوة هي البدء بتخصيب اليورانيوم الخام والوصول إلى نسبة التخصيب 5 % التي تستهلك في توليد الطاقة. ولكن الاستمرار بالتخصيب للوصول الى 90 % أمر يمكن تحقيقه وخير مثال الهند وباكستان. ان تنامي الطلب على الطاقة هو أحد أهم الأسباب التي تدفع الدول إلى الطاقة النووية. وتعد المملكة وايران من أكبر الدول في الشرق الأوسط من حيث احتياطيات النفط والغاز الطبيعي. كما يعدان ايضاً أكبر الدول استهلاكاً للطاقة في المنطقة. وبحسب تقرير بريتش بتروليوم الاحصائي الاخير فلقد استهلكت ايران في العام الماضي حوالي 250 مليون طن نفط مكافئ من الطاقة واستهلكت المملكة حوالي 240 مليون طن نفط مكافئ. وللمقارنة فلقد استهلكت مصر 86 مليون طن نفط مكافئ فقط. وبذلك يكون ترتيب ايران في استهلاك الطاقة العاشرة عالمياً والمملكة الحادي عشر رغم ان عدد سكان ايران اكثر من ضعفي سكان المملكة. يتكون مزيج الطاقة في ايران من الغاز الطبيعي (60 %) والنفط (40 %) وطاقة بديلة (4 %). وتملك إيران مخزونا هائلا من الغاز الطبيعي يقدر بحوالي 34 بليون متر مكعب وتستهلك حالياً حوالي 0.17 بليون متر مكعب من الغاز سنوياً. وهذا يعني ان احتياطياتها من الغاز تكفيها إلى أكثر من 200 عام على أقل تقدير. لذلك يستغرب ان لا تعتمد ايران على غازها في توليد الكهرباء في وقت يتسابق العالم للحصول على الغاز. بعد فوكوشيما، اغلقت اليابان كل مفاعلاتها النووية واستبدلت الطاقة النووية بالغاز. واشترت اليابان العام الماضي حوالي 88 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال بحوالي 70-85 مليار دولار حتى ارهقت ميزانيتها. وأما المانيا فلقد اشترت من روسيا حوالي 60 بليون متر مكعب غاز طبيعي في 2014م بحوالي 20 مليار دولار. تعمل إيران على توفير غازها من الاستهلاك المحلي للتصدير الخارجي، وقد تواجه صعوبة بتشييد مصانع LNG بسبب التوسعات والطاقات العالمية القادمة إلى الاسواق في السنوات الخمس القادمة. ولذلك سيكون أهم هدف لايران بعد رفع العقوبات هو تصدير غازها عبر انابيب إلى دول الجوار مثل الهند وباكستان والعراق وعمان وسوريا ومن تركيا إلى اوروبا. وتطمح ايران لتشييد شبكة كبيرة من الانابيب على غرار شبكة غازبروم الروسية. وهذا سيعطيها مزيداً من النفوذ وقد يتحول الغاز الطبيعي من مصدر آمن لتوليد الطاقة إلى سلاح استراتيجي. لا يثق الغرب ببرنامج ايران النووي حتى بعد التوقيع على الاتفاقية وذلك أولاً: لاصرار ايران على مواصلة التخصيب وثانياً لامتلاكها احتياطيات هائلة من الغاز الطبيعي الذي يجعلها غير محتاجة لتوليد الكهرباء من المحطات النووية. وفي الختام لقد حان الوقت الى الحفاظ على احتياطياتنا من النفط وعدم حرقه لتوليد الكهرباء لاسيما وان المفاعلات النووية في بوشهر أصبحت على حدود الجزيرة العربية. الأكيد أن ما أعلنته المملكة من اتفاقيات مع روسيا وفرنسا لدراسة تشييد محطات نووية كان خطوات استراتيجية وقراءة متأنية للمستقبل. والأمل أن نرى قريباً محطاتنا النووية على ضفاف الخليج العربي.