الرباط: لطيفة العروسني اتفق وزراء الخارجية والمسؤولون عن الأمن وممثلو دول المغرب العربي ومنطقة الساحل والصحراء، المشاركون في المؤتمر الوزاري الإقليمي الثاني حول أمن الحدود، الذي عقد أمس في الرباط، على إقامة مركز إقليمي للتكوين والتدريب لفائدة الضباط المكلفين بأمن الحدود، كما اتفقوا على إنشاء فرق عمل قطاعية في مجالات الأمن والاستخبارات والجمارك والعدل، بالإضافة إلى تعزيز تبادل المعلومات المتعلقة بأمن الحدود بين دول المنطقة لمواجهة التهديدات الأمنية. ويندرج هذا المؤتمر في إطار متابعة أشغال المؤتمر الوزاري الإقليمي الأول حول أمن الحدود، الذي انعقد في ليبيا يومي 11 و12 مارس (آذار) من العام الماضي، ودراسة سبل تنفيذ «خطة عمل طرابلس»، المنبثقة عنه، وذلك بهدف تعزيز مراقبة الحدود في منطقة شمال أفريقيا وفضاء الساحل والصحراء وتأمينها، وتعزيز الحوار والتشاور بين دول المنطقة والشركاء الدوليين وتطوير التعاون العملي في المجال الأمني لمحاربة الإرهاب، والجريمة المنظمة، بما في ذلك تهريب الأسلحة والمخدرات، وكذا الهجرة غير الشرعية. وفي هذا السياق، قال رولان فابيوس، وزير الخارجية الفرنسي، إن عقد هذا المؤتمر كان مفيدا جدا لا سيما أنه خرج بنتائج عملية وملموسة، وهي ليست دائما حالة جميع المؤتمرات. وأوضح فابيوس الذي شارك في أشغال المؤتمر الوزاري، في لقاء صحافي مشترك مع وزراء خارجية المغرب وليبيا ومالي، عقد عقب انتهاء أشغاله، إن التهديدات الإرهابية خطر تواجهه كل الدول، وذكر في هذا السياق باختطاف وقتل الصحافيين الفرنسيين في الأسابيع الماضية من قبل جماعات إرهابية في مالي. وكشف فابيوس أن وثائق عثر عليها في شمال مالي تظهر أن جماعة «بوكو حرام» النيجيرية المتطرفة تلقت تدريبات هناك على أيدي حركات أخرى مرتبطة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وأشار فابيوس إلى أن موضوع أمن الحدود مهم جدا لأفريقيا ككل ولمنطقة الساحل والصحراء تحديدا، وجدد فابيوس التأكيد على دعم بلاده للسلطات الليبية في مختلف المراحل لمواجهة التهديدات الأمنية. وأوضح أن الدول المعنية اتفقت عل اعتماد مقاربة جديدة تجمع بين عنصرين هما الأمن والتنمية، لأن غياب التنمية في أي منطقة يغذي الإرهاب الذي يمول أنشطته من خلال تجارة المخدرات والتهريب والاتجار بالبشر. من جهته، قال صلاح الدين مزوار، وزير الخارجية المغربي، إن المشاركين في المؤتمر اتفقوا أيضا على تشكيل أمانة لمتابعة تنفيذ خطة طرابلس وإعلان الرباط، على أن تتولى ليبيا إعداد المقترح المتعلق بهيكلة الأمانة، وتقديمه في اجتماع لمندوبي الدول الذي سيعقد في طرابلس في فترة لا تتجاوز شهرين من تاريخ انعقاد مؤتمر الرباط. وأعلن مزوار أن المؤتمر الوزاري الثالث حول أمن الحدود سيعقد في مصر في النصف الثاني من العام المقبل، وذلك من أجل تعزيز الحوار السياسي والأمني، وتقييم التقدم الحاصل في تنفيذ القرارات المتخذة. وردا على سؤال حول ما إذا كان غياب الجزائر عن المؤتمر قد يعرقل تنفيذ القرارات التي جرى الاتفاق عليها، رد مزوار بأن الجزائر لم تغب عن المؤتمر، بل كانت ممثلة بالمسؤول عن العلاقات مع دول المغرب العربي في وزارة الخارجية الذي «كان حضوره إيجابيا وعبر عن دعم بلاده للمبادرة والمساهمة في إنجاحها». أما بشأن الحدود المغلقة بين الجزائر والمغرب، فقال مزوار إن كل حدود المغرب مفتوحة، وإن هذه المشكلة ليست مطروحة بالنسبة للرباط، في إشارة إلى أن الجزائر هي التي أغلقت حدودها، مشيرا إلى أن بلاده تعمل بمنطق أن الاندماج المغاربي ضرورة استراتيجية يفرضها واقع التطورات والهزات التي تعرفها المنطقة، وواقع الاقتصاد العالمي. وأضاف أن السياسة الخارجية للمغرب تقوم على البناء والعمل مع مختلف الشركاء لتحقيق الأمن والاستقرار لما فيه مصلحة الشعوب. وفي السياق ذاته، وجه محمد حصاد، وزير الداخلية المغربي، إشارات ضمنية إلى الجارة الجزائر، لتجاوز الخلاف بين البلدين، وتعزيز التعاون لمواجهة الخطر الإرهابي. وقال في مداخلة ألقاها في افتتاح المؤتمر «إن الجماعات الإرهابية والشبكات الإجرامية في حركتها العابرة للحدود تستغل المفارقات بين الأنظمة القانونية، وضآلة تبادل المعلومات، وضعف التعاون بين الدول لاتخاذ مناطق نائية وغير خاضعة للمراقبة الأمنية، قواعد خلفية لإعطاء الانطلاقة لمشاريعها الإجرامية والتخريبية»، وأضاف أن «الاستراتيجيات الأمنية الوطنية تبقى غير كافية وحدها لمواجهة التهديدات الإرهابية، الأمر الذي يحتم علينا كمسؤولين عن الأمن في بلداننا، وضع إطار تعاون متين سواء كان ذلك على الصعيد الثنائي أو الإقليمي أو الدولي». ودعا حصاد إلى «تجاوز كل سياسة تطبعها الأنانية الوطنية، المرتكزة على تقدير ضيق لمصالح كل بلد على حدة». كما دعا إلى «تجاوز كل الخلافات والعمل معا لتوحيد الجهود من أجل رفع هذه التحديات الأمنية. وقال حصاد إن «تأمين الحدود لا يعني بالضرورة انغلاق كل دولة على نفسها، بل يجب أن تظل هذه الحدود كما كانت دائما عبر التاريخ فضاء للتبادل بين الشعوب في المجالات الإنسانية والتجارية والثقافية»، في إشارة إلى الحدود المغلقة بين بلاده والجزائر منذ 1994. ودعا حصاد دول المنطقة إلى إنشاء منظومة للإنذار المبكر، وتحقيق تناغم الأنظمة القانونية المتعلقة بمراقبة الحدود بين هذه البلدان. من جهته، قال محمد أحمد عبد العزيز، وزير الخارجية الليبي، لـ«الشرق الأوسط»، إن بلاده في طور بناء مؤسساتها الأمنية لا سيما وزارتي الدفاع والداخلية والأجهزة المخابراتية. وأضاف «اتفقنا مع الدول الشركاء ليقدموا لنا خبرتهم في مجال التدريب المتخصص في مجال الدفاع والأمن، وفي هذا الصدد عقدنا اتفاقيات مع الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة وإيطاليا وتركيا، وستبرم اتفاقية بين المغرب وليبيا في مجال التدريب المتخصص، ونحن ممتنون للملكة المغربية لأنها فتحت أمامنا كل الأبواب ليس فقط في مجال التدريب المتخصص في مجالي الدفاع والأمن بل في قطاعات أخرى مثل التعليم والتدريب المهني». وطلب عبد العزيز بألا «نحكم على الأوضاع الأمنية في ليبيا بناء على ما تتداوله الصحافة الإقليمية والدولية». وأضاف «أنا على ثقة أنه خلال الفترة المقبلة عندما يكون هناك دفاع وشرطة وأجهزة مخابراتية سيصبح الوضع الأمني في ليبيا أفضل، ولست متخوفا كثيرا بهذا الشأن لأن الانتقال من الثورة إلى الدولة ليس بالأمر السهل، ولا بد من بذل مجهودات كبيرة على المستوى الوطني بيد أنه لا يمكننا أن ننجح إلا بوجود دعم من الشركاء الدوليين والإقليميين».