لقد أولت دولتنا القطاع الصحي اهتماما يليق بأهميته التي تتلخص في تقديم خدمات صحية تحافظ على صحة أفراد المجتمع. وبمقارنة القطاع الصحي فيما مضى مع ما نراه في عصرنا الحالي، نرى الفرق الشاسع في كمية المستشفيات والعيادات الصحية، ونلمس الإقبال الكبير من المواطنين على هذه الخدمات. فعلى الرغم من أن القطاع الصحي في المملكة يقوم بمهام جليلة لتحقيق أهداف نموذجية، إلا أن هناك منعطفا تطويريا مهما قد يكون غائبا على مسؤولي القطاع الصحي. فعلى الصعيد الدولي، اتجهت الدول المتقدمة وعلى رأسها أمريكا مع هذا المنعطف التطويري، الذي نقلهم من سفينة القطاع الصحي التقليدية إلى باخرة القطاع الصحي الذكية، والذي لمست نتائجه الباهرة في فترة وجيزة بشهادة مقدمي الخدمات الصحية والمرضى أنفسهم. إن المعلومات والنتائج التي يتركها المرضى خلال زياراتهم للمستشفيات والعيادات الصحية تعتبر كنزا عظيما، لم يكتشف القطاع الصحي قيمته بعد. فهذه المعلومات الضخمة التي تم تخزينها تراكمت مع السنوات ولم يستخدم إلا ظاهرها وتم إهمال باطنها وهو الأهم حيث يكمن فيه تفسير أغلب المشاكل التي يعاني منها القطاع الصحي. ومن هذه المشاكل على سبيل المثال، الانتظار الممل في غرفة الطوارئ، والمواعيد بعيدة الأمد، والتشخيص غير الدقيق لحالة المريض، والتأخر في اكتشاف الأمراض وعلاجها، وانقطاع التواصل بين المرضى ومقدمي الخدمات الصحية. وعلاوة على هذا، يمكن للبيانات الضخمة المساهمة في الحد من مشكلة التشخيص غير الدقيق لحالة المرضى. فلو أن طبيبا أعطى وصفة معينة لمريض ما وكانت هذه الوصفة الطبية غير مناسبة بسبب التشخيص غير الدقيق لحالة المريض، فالطبيب في نهاية الأمر ليس معصوما من الخطأ. فالنتائج المستقاة من البيانات الضخمة بإمكانها أن تشعر الطبيب مباشرة بأن هناك عددا كبيرا من الحالات المشابهة لحالة المريض والتي تم شفاؤها باستخدام وصفة أخرى. وعلى صعيد اكتشاف الأمراض الناشئة ومحاولة علاجها قبل تفشيها في المجتمع، فقد تلعب البيانات الصحية الضخمة دورا فاعلا في تعقب نشأتها ومعرفة أسبابها والمساهمة في اكتشاف طرق علاجها. فبربط جميع البيانات الصحية مع بعضها البعض ومن ثم تنقيبها وتحليلها بطريقة ذكية، قد نكون قادرين على التنبؤ بكل ما هو جديد في عالم الفيروسات والأمراض الوبائية التي قد تنشأ في أي مكان في المملكة ومن ثم تعقبها وربط الحالات المصابة مع بعضها البعض إلكترونيا والتنبؤ بما قد يعجز عنه العقل البشري. ويبقى المريض هو سر نجاح أي منظمة صحية، فبدون تقييم المؤسسات الصحية من قبل المريض لن يتم التعرف على نقاط الضعف. فلابد من إعطاء الفرصة للمريض لكي يعبر عن رضاه حيال الخدمة الصحية المقدمة له بطريقة ذكية وسهلة في نفس الوقت. * مبتعث