هل تملكت الحساسية كلاً منا فصار يرفض النقد والمساس بأيٍّ ممن ينتمون إلى مهنته أو جماعته؟ وهل تقيم هذه الحساسية حاجزاً بيننا وبين تأمل المشهد بكامله وإدراك الهواجس التي تفصل الإنسان عن كونه مهندساً أو محامياً أو كاتباً وتضعه في صفوف البشر بكل مساوئهم وأيضاً محاسنهم. هذا ما يكشف عنه مسلسل «أستاذ ورئيس قسم» للنجم عادل إمام الذي يقوم بدور فوزي جمعة، أستاذ الزراعة في الجامعة ورئيس أحد الأقسام المتخصصة في كلية الزراعة. هو ناشط سياسي، في اتجاه اليسار، يحظى بمحبة طلبته ويعاني من غيرة بعض زملائه. اعتاد جهاز الأمن اعتقاله كما تعوّد هو نفسه على الذهاب إلى السجن بحقيبة صغيرة تعدها له سلفاً «عديلة» مدبرة منزله التي شربت منه الأفكار الثورية. فوزي جمعة هو دور جديد في مسيرة عادل إمام التي جسد فيها أغلب الأدوار التي يلعبها الناس في الحياة الحقيقية بدءاً من «الصعلوك» و «الهلفوت» و «رجل الأمن»، وصولاً إلى رحلته الأخيرة مع الدراما بعد انقطاع ربع قرن، وهي رحلة تعيد اكتشاف الذات – أي ذات الممثل السوبر ستار الذي يملأ الشاشة الكبيرة طوال ساعتين هو والبطلة وعدد قليل من الأبطال المساعدين – إلى ممثل، سوبر ستار ما زال، ولكن مع قناعة أخرى بأجيال جديدة موهوبة تستحق فرصة العمل أمامه. من هذه القناعة الجديدة، شاهدنا تباعاً مسلسلات «فرقة ناجي عطالله» ثم مسلسل «العراب» وبعده «صاحب السعادة»، الذي شغل «صراع الأجيال» جزءاً مهماً منه. ويبدو هذا الصراع مع «أستاذ ورئيس قسم» على أشدّه بين طلبة المفكر اليساري في رحلة انتقال مباغتة حولته من معارض عريق إلى وزير في إحدى حكومات ما بعد ثورة 25 يناير. وهو تحول حدث فعلاً مع كثيرين ممن تولوا الوزارة في ذاك الوقت.وهو انتقال جعل الكثيرين من طلبته ينقلبون عليه ويتهمونه بما ليس فيه في استعادة من كاتب المسلسل يوسف معاطي لما حدث من اتهام الكثيرين بأنهم «فلول» وأنهم من المتواطئين مع الإخوان. غير أن ما أثار الجدل حول العمل هو دعاوى أقامها بعض أساتذة الجامعات يطالبون بوقفه لأنه يقدم صورة الأستاذ بوصفه انتهازياً يبحث عن الاقتراب من السلطة لكي يصبح وجهاً تبحث عنه المناصب. وهذا دور قدمه على نحو بارع أحمد بدير. علماً أنّ هذه الشخصية موجودة في كل المواقع والمهن والفئات. وما زالت الدعاوى على المسلسل قائمة، لكنّ أصحابها لم يتوقفوا ليروا الصورة كاملة ويقارنوا بين السلبي والإيجابي والدور الكبير الذي يلعبه الأساتذة الجامعيون، وكأن الحساسيات هي الدافع لهذا الغضب، مع أنّ هذا العمل يحفل بالكثير من الأفكار والشخصيات التي تستعيد مرحلة قريبة جداً يرفض كثيرون الاقتراب منها الآن خوفاً من ضبابية الرؤية. إن عادل إمام كما هو واضح هنا - مع كاتبه المفضل يوسف معاطي والمخرج وائل إحسان - يريد أن يؤكد أن الفن لا بد أن ينتقل إلى درجة أكبر من الاشتباك مع الواقع حوله.