غداً قد يكون الثلاثين من رمضان، أو أول شوال، عيد الفطر، كعادتنا كل عام (عيد ولا مهو عيد)، نخرج المباخر وماء الورد، نرص أنواع الحلوى ونجهز العيادي للصغار. أم نبقيه ليوم غد. هذا التساؤل يتكرر، في رمضان بالذات دخوله ومن ثم العيد، لا شيء مؤكد، التاسع والعشرون من رمضان، اليوم الخميس غدا الجمعة، ربما عيد وربما لا، ولكن هنالك الأرصاد التي يمكن أن تقول لنا بدقة متناهية إن كان عيداً أم لا وتحسبها جيداً. اعتمد المسلمون من عرب وغيرهم في سالف الزمان على المراصد وحسبوا حسابها وعرفوا الكثير من علم الفلك والتغيرات الفيزيائية التي تحدث نتيجة لذلك، فتنبأوا بالعواصف وعرفوا المواسم للمطر وللزراعة بل وحددوا بدقة الكثير من العوامل الجوية وبرز منهم علماء في الفلك في دراسة الأنواء وخاصة البحرية منها لمعرفة وقت الإبحار من عدمه، وكذا معرفة مواسم الصيد نتيجة للرصد الفلكي. علم الفلك وموقع النجوم لم يكن حكراً على العرب لكنه كان علماً عرفه الإغريق وأبدعوا به من ثم انتقل هذا العلم نتيجة جهود قوية للترجمة التي بذل بها الخليفة المأمون الكثير من البذل للعلماء، فأثرى المكتبة العربية بالترجمات العلمية من الإغريقية التي كانت قبل ذلك سادة العلم، وأما الفارسية فكانت للدواوين والإدارة، في كلا العلمين طور المسلمون العرب وغير العرب المعرفة وأضافوا لها الكثير، ومن بين ذلك إقامة المختبرات والمراصد. فكيف نصل لهذا الزمن ونحن لا نعرف متى يهل رمضان ومتى يكون العيد، ولماذا نعتمد على رؤية الهلال، والتقيد بالنص، (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته). رسولنا الكريم لم يقل لرؤيته بالعين المجردة وإنما قال لرؤيته فالرؤية قد تكون من خلال الرصد عبر الأجهزة المخصصة لذلك كالتلسكوب وما شابه، وبمناسبة التلسكوب ومخترعه (غاليلو) الإيطالي، فقد حوكم بمحاكم التفتيش لأنه قال الأرض كروية وتدور حول الشمس مفنداً القول بأن الأرض مسطحة والشمس تدور حولها، فحوكم بمحاكم التفتيش وأمر أن ينكر ذلك أو أن المقصلة طريقه، فأنكر قوله، سار بعدها وهو يردد بصوت ضعيف "لكنها تدور وتدور". وأعود لأقول عن اهتمام المسلمين خاصة خلال عهد الخليفة العباسي المأمون بن هارون الرشيد الذي أمر بترجمة الكتب من علم وفلسفة وإدارة للدواوين، فقامت دراسة علم الفلك التي ابدع العلماء بها ومنها تحديد أوقات الصلاة حسب الموقع الجغرافي كذا معرفة اتجاه القبلة، ورؤية الهلال لشهر رمضان للصوم والفطر، ودخول ذي الحجة ويوم الوقفة في عرفات، كما استطاعوا الوصول لطرق وحسابات لم تسبقهم الأمم المترجم عنها من إغريق وفرس وهنود. لقد حرروا علم الفلك من الخزعبلات والتنجيم، فأصبح علماً يعتمد كما الرياضيات على النظرية والتجربة والبرهان. وقد تكون ثمرة ذاك تواصل الجهود الإنسانية في تطوير هذا العلم، فصار علماً كبيراً ومتواصلاً كما هو الآن تطور كمختلف العلوم ولولا ذلك لما وصل الإنسان للقمر ولا كانت الوكالات الفلكية ومنها الأقمار الصناعية التي حملت رواد الفضاء، ووصل الأمر للتفكير برحلات مكوكية للقمر، ولا عُرف عما في المريخ من سبل قد تجعله صالحاً للحياة البشرية، ولا نشط الخيال العلمي في ذلك، فكان التوقع مجالاً أكبر للتفكير والبحث. وأعود لأقول (عيد ولا مهو عيد) كان ممكناً أن ننأى بأنفسنا عن التفكير بذلك حيث يكون يوم العيد معروفاً كما يوم الصوم ولا حاجة بنا للتساؤل. (عيد ولا مهو عيد). .. وعلى كل حال كل عام وأنتم بخير وكل عام ونحن نتطور للأفضل، والبلد بأمان وخير.