حين يبدأ شهر رمضان الفضيل يلوح بيديه مودعا ويلملم باقي لياليه على عجل ليذهب مغادرا، يفهم الرجال واطفال البيوت ان أوقات التدليل واستجابة الطلبات مهما كانت كبيرة ومبالغ فيها قد انتهت، يعرفون جيدا ان السفرة العامرة مضت الى غير رجعة، وان افطارهم في الايام القليلة الباقية وخصوصا ليلة العيد لن يزيد عن غذاء أي يوم عادي من ايام السنة، وان ما تعودوه من اصناف واشكال والوان مالحة وحلوة وعصائر اصبحت من الماضي ولن تعود.. بل ان حالات الطوارئ التي تعلن في البيوت تجعلهم يقفون على اطراف اصابعهم فعوضا عن الاشفاق والتدليل وتلبية الطلبات والصبر والهدوء وكظم الغيظ سوف تشتعل البيوت بالنشاط استعدادا لاستقبال ايام العيد. النساء تحديدا هن من يشكلن خريطة الايام الثلاثة الاخيرة قبيل العيد، هن من يمسك جهاز التحكم وهن من يدرن الموقف، وعلى الرجال ان ينفذوا صامتين، فقد تدللوا طوال الشهر على حساب جهد النساء، وآن الاوان ان يبدأوا في تلبية الطلبات، وقضاء المشاوير، والسكوت أمام شكل مائدة رمضان التي تبدلت وتقشفت وتقلصت حتى الجفاف. تنظيف المنزل ليلى حماد - امرأة عاملة - (47 سنة) لديها طقوسها الخاصة لليلة العيد تحكيها لنا قائلة: من البديهي ان البيت لابد ان يستعد وسكان البيت لابد ان يستعدوا وهذا الاستعداد يشمل ببساطة تنظيف البيت تنظيفا غير تقليدي، واعداد افراده اعدادا غير تقليدي، هذا ان اردت البساطة، لكن ان اردت التفاصيل اعود الى تنظيف البيت وهو تنظيف يستدعي انزال الستائر وغسلها وكيها وإعادة تركيبها وتنظيف السجاد وغسل الابواب والنوافذ وحتى الحوائط، فضلا عن تلميع كل ما يقابلك من اثاث وارضيات وغيره حتى يصبح المنزل براقا مع خيوط شمس اول ايام العيد، ولمن ليس لديها من تساعدها نقول اعانك الله فهذا العمل وان قامت به كل نساء المنزل يظل مرهقا ومتعبا ويجعلهن يسقطن تعبا آخر الامر. اما إعداد افراد العائلة فيكون مبدئيا بشراء مستلزمات العيد التي تكون عادة من الداخل الى الخارج ولابد ان يكون كله جديدا في جديد، ثم تأتي مهمة تزيين البنات تحديدا، فالاولاد تنتهي زينتهم بمشوار واحد الى الحلاق اما البنات فيهربن من تنظيف البيت مع امهاتهن بالذهاب الى الكوافيرات والانتظام في طابور الانتظار الطويل من أجل تسريحة جديدة، أو قصة شعر مميزة، ولون لائق يجعلها مميزة صبيحة يوم العيد ولا تختلف في هذا الامر الصغيرات عن الكبيرات كلهن يزحمن صالونات التجميل، وكلهن يترقبن الدور. الكوافيرة ما تؤكده لنا أم محمد علياء - كوافيرة مغربية - قائلة يبدأ يومها ليلة العيد من بعد المغرب مباشرة ولا ينتهي حتى ساعات الفجر الاولى وهي واقفة على قدميها تقول: لا تبالي عميلاتي بمدى الارهاق الذي يكون لدي من ساعات الوقوف الطويلة على قدمي وانا اتسلم شعر هذه ووجه تلك واقوم بقص وتلوين وتزيين الشعور والوجوه وألبي طلبات كل واحدة واتحمل تذمرهن وطلباتهن التي في الغالب تكون غير حاسمة، حتى اذا ما شاهدن النتيجة وكانت ليست كما توقعن عدن يطالبن بتغيير اللون او القصة وإعادة التجربة، وانا اسابق الزمن واحاذر في نفس الوقت حتى لا تخرج من عندي حزينة او غاضبة، فنحن في ليلة عيد ويجب ان يسعد الجميع، وتضيف ان اكثر من يرهقني الصغيرات اللاتي لم يتجاوزن العشرة الأعوام وقررت امهاتهن ان يجعلن منهن عرائس في ليلة العيد. وتردف ام محمد حين ينتهي اليوم الطويل انهار ارضا غير قادرة على تحريك قدمي او رفع يدي قد دوختني الصبغات واصمتني آلات السيشوار وابخرة الشعور بين يدي، رأسي تدور وعيناي مجهدتان وافكر ماذا يجب ان اصنع في بيتي لاولادي ومتى. طقوس ليلة العيد هاليسا - الخادمة الاثيوبية - التي اعتادت على طقوس مخدومتها ليلة العيد تصف لنا حالها قائلة: عندنا في اثيوبيا ليس هناك هذا التعب الكثير في شهر رمضان المبارك ولكن هنا الامر مختلف كثيرا وفي العام الاول لي هنا كدت اهرب حين رأيت مقدار العمل في شهر رمضان وخصوصا في الايام الاخيرة قبل العيد، ففي اليوم الخامس والعشرين تبدأ مشاوير السوق لشراء الملابس والاحذية والاكسسوارات من محل الى محل ومن سوق الى سوق. وتضيف ثم يبدأ القياس ثم العودة للسوق لاعادة الملابس غير المناسبة وشراء غيرها وبعد الانتهاء من السوق وتعبه يأتي دور صناعة الحلويات المنزلية والحمد لله ليست كثيرة فنحن نصنع كمية قليلة ونشتري انواعا كثيرة من السوق، ثم تبدأ مرحلة تنظيف البيت وهي المرحلة المتعبة جدا وتتابع بقولها: التنظيف يكون مشتركا وتساعدني فيه البنات ولكنه يظل كثيرا جدا ومتعبا جدا ويستمر حتى الفجر وعندها اسقط من التعب ورائحة المنظفات والغبار وإعادة ترتيب الغرف وتغيير اماكن قطع الاثاث فيها. وتستطرد هاليسا باسمة لكن كل التعب ينتهي في اليوم التالي حين تعطيني ماما ملابسي الجديدة وعيديتي الكبيرة وتبتسم وهي تهنئني بالعيد بدلا من الصوت العالي الغاضب في اليوم الاخير للشهر الفضيل. وللرجال همهم أيضاً محمد باسل خلف - شاب في العشرين من عمره - لديه ايضا ما يقوله حيث يذكر انه في ليلة العيد او في الحقيقة الايام الاخيرة من شهر رمضان المبارك ننسى تماما شكل الطعام المميز ونعود إلى الجهود الذاتية في اطعام انفسنا، وعن نفسي افطر مع الشباب في المطاعم وابتعد عن افطار الوالدة الذي نكاد نغص به من كثرة ما تطالبنا بسرعة الانتهاء لكي نبدأ معها في المشاوير. ويضيف محمد ان مشاوير السوق هي الاكثر ازعاجا فانا اضع الوالدة والاخوات، وانوي الذهاب فاجدها تجبرني على الانتظار بحجة انها لن تتأخر، لكنها في الواقع تتأخر وتتأخر كثيرا ايضا وانا اظل معها وفي محلات الحلويات وهي تختار الاصناف وتفاضل بينها، ويشير الى ان الزحام شديد في كل مكان في الطريق وفي الاسواق وفي المحلات وأمي كأنها لا ترى هذا الامر وتصر على تجهيز كل ما تريد وانا معها، فضلا عن شراء زكاة الفطر ومن ثم توزيعها قبل صلاة العيد. ويضيف في البيت كل حركة بحساب ممنوع الدخول هنا وممنوع لمس هذا وممنوع فتح التلفاز وممنوع القرب من الحلويات اضافة الى مشاوير الكوافيرة والخياطة، ولا تنتهي الطلبات والاوامر والممنوعات حتى اذا جاء الصباح رأينا ابتسامتها وتبريكاتها فانفرجت اساريرنا جميعا وقلنا "عيد سعيد".