قد يكون من المبكر الحكم على نجاح أو فشل المسعى المتقدّم الذي يتولاه زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري لاختراق أزمة الفراغ الرئاسي في لبنان من خلال اعتماد خيار انتخاب زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. ومع ذلك لا يمكن تَجاهُل الاهتزازات الكبيرة التي أصابت هذا المسعى مهدِّدةً بإخفاقه. اذ ان أوساطاً مواكِبة للمساعي الرئاسية في لبنان لفتت عبر «الراي» الى ان المؤشر الشكلي الأول الى بدء التراجعات في مسعى تعويم خيار عون يتمثّل في الجمود الذي يرافق وجود الحريري في بيروت منذ الأسبوع الماضي بحيث يقتصر نشاطه العلني على لقاءات عادية في بيت الوسط، فيما يتصاعد كلامٌ عن جولات خارجية جديدة له من دون ان تظهر معطيات حاسمة في ما خصّ مجمل هذا التحرك. وتضيف الاوساط ان هذا المؤشر الشكلي وإن كان لا يُعتدّ به نهائياً باعتبار انه يمكن في أيّ لحظة تَوقُّع تطور جديد او تَحرُّك جديد للحريري، فإنه يعكس حال الترقب والرصد الواسعة لتحرّك زعيم «المستقبل» بعدما وضع في الأسابيع الثلاثة الأخيرة خيار عون على نار حامية سواء بدفْعٍ منه او بدفعِ التوقعات المتوهجة التي أثارها تحرّكه الداخلي والخارجي. ولكن تَصاعُد بوادر المواقف الرافضة لانتخاب عون من قوى داخلية عدة نافذة باتت معروفة، وافتقاد هذا التحرك الى المظلة الاقليمية الضرورية لإنجاحه، هما العاملان الأساسيان اللذان تدرجهما الاوساط نفسها في اطار الاتجاه الواضح نحو تَراجُع خيار عون ما لم تحصل مفاجآت غير محسوبة وهي مستبعَدة في اي حال. وتضيف الاوساط انه تبيّن ان لا صحة لإلزام الحريري نفسه بمهلة عشرة أيام لإعلان تبنيه ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية وانما يَجري تسويق هذه المهلة بدفْعٍ من دوائر عونية تسعى الى استعجال حسْم الحريري لتبني ترشيح عون عَلّ ذلك يشكل الرافعة الضخمة التي من شأنها ان تحمل زعيم «التيار الحر» الى قصر بعبدا في الجلسة الانتخابية المقبلة في 31 اكتوبر الجاري. لكن في موازاة ذلك، تلاحظ الأوساط ان مؤشرات الشكوك العونية بدأت تتصاعد ولو بخفر من خلال الانتقادات اللاذعة التي توجّهها المحطة التلفزيونية التابعة لـ «التيار الوطني الحر» الى حلفاء «حزب الله» تحديداً لرفضهم انتخاب عون من دون ان تطاول الحزب نفسه، هي التي قاتل في مقدمة نشرتها الإخبارية مساء السبت: «انه أسبوع المواقف المتضاربة بامتياز: تأييد صريح وضمني لانتخاب عون يأتي من خصوم حزب الله... سمير جعجع وسعد الحريري. ورفض واضح وصريح لانتخابه من حلفاء الحزب... نبيه بري وسليمان فرنجية». وفي اعتقاد الاوساط ان المهادنة العونية ستستمرّ مهما حصل من تطورات حتى نهاية الشهر الجاري الذي سيكون واقعياً موعد حسم مصير خيار عون مبدئياً، ولو ان البعض يظن ان هذا الخيار قد يبقى ممكناً ولو أخفقت الجلسة كالمعتاد في انتخاب رئيس. ولكن اللافت في هذا المناخ، حسب تأكيد الاوساط المعنية، ان المعطيات المتشائمة في إمكان نجاح تحرك الحريري بدأت تتراكم داخلياً وخارجياً بما لا يُبقي الكثير أمام الحريري لبتّ مصير تحركه وحسْم خياره الرئاسي وإعلانه، علماً ان عون الذي يهادن بكل الأشكال والاتجاهات الآن والذي عاد وزراؤه الى الحكومة وربما يسهل انعقاد جلسة تشريعية لمجلس النواب، لن يمدّد مهادنته الى ما بعد نهاية الشهر اذا تيقن ان السدود امام الحريري غير قابلة للتذليل. ولذا تكتسب الأسابيع الثلاثة المقبلة طابعاً مصيرياً بالنسبة الى خيار انتخاب عون او تعليقه مجدداً أسوةً بما حصل تماماً قبل ذلك مع خيار الحريري في ترشيح النائب سليمان فرنجية. وليس خافياً ان تكرار التجربتيْن سيرتدّ سلباً على الحريري أسوة بما سيصيب عون ولو ان مبرّرات الإخفاق المحتمل لهذا الخيار تساعد الحريري بعض الشيء في رمي الكرة لدى القوى المعطّلة لخياره إقليمياً وداخلياً. وفيما كان لافتاً اعلان رئيس «التيار الحر» وزير الخارجية جبران باسيل امس، ان «هدفنا ان نكون على وفاق مع كلّ اللبنانيين وليس لدينا ارتباط خارجي يمنعنا ولا داخلي يحرجنا»، معتبراً «ان هناك بعض السياسيين يطلبون من الخارج عرقلة التوافق الحاصل على الرئاسة»، استشعر «حزب الله» بوطأة رمي كرة تعطيل انتخاب عون في ملعبه من خلال تصدي شريكه في الثنائية الشيعية الرئيس بري لجبهة الممانعة امام وصول «الجنرال» الى قصر بعبدا تحت عنوان انه يؤيد فرنجية ويتمسّك بالسلة المتكاملة للحل. وأطلق نائب الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم موقفاً كرّس معادلة استحالة الافتراق عن بري في الملف الرئاسي والحرص على التمسّك بالتحالف مع عون، اذ اعلن ان «تحالفنا مع حركة أمل (يتزعمها بري) راسخ وصلب، وسنبقى حريصين على قوّة هذا التحالف مهما كانت الأعاصير ولن نتخلى عنه مهما كلفنا ذلك، أما تحالفنا مع التيار الوطني الحر، فهو تحالف وطني ثابت واستراتيجي، وفي بعض المحطات يثيرون بعض الاختلافات، ويتحدثون عنّا أولئك الذين يرفضون هذا التحالف بطريقة توحي وكأننا نقف مربكين، ولكن على الجميع أن يثقوا أننا ثابتون على هذا التحالف، وسنبقى إلى النهاية».