قبل خمس دقائق من الساعة الثانية مساء من يوم الخميس، جاءت مكالمة من الولايات المتحدة إلى لندن، أخبرت المسؤولين التنفيذيين في مجموعة بريتش بتروليوم كل ما هم بحاجة إلى معرفته. بضربة واحدة، تم إغلاق صفقة لإنهاء المعركة القانونية بشأن دورها في كارثة ديب ووتر هورايزون، حيث اختتمت بذلك خمسة أعوام من الاضطرابات التي كادت أن تقضي على مجموعة الطاقة البريطانية. يقول أحد الشخصيات عن اللحظة التي عرف فيها أن قضية "بريتش بتروليوم" الأحلك قد انتهت: "أستطيع رؤية ذلك في عيون الفريق التنفيذي. لقد حررتنا [التسوية]". الاتفاقية التي بقيمة 18.7 مليار دولار مع الحكومة الفيدرالية في الولايات المتحدة، وولايات ألاباما، وفلوريدا، ولويزيانا، وميسيسبي، وتكساس، فضلا عن 400 سلطة محلية، ستنهي جميع القضايا بسبب أسوأ تسرب نفطي بحري في أمريكا. الكارثة، التي حدثت عندما انفجر بئر كانت "بريتش بتروليوم" تقوم بحفرها في خليج مكسيكو، أودت بحياة 11 شخصا وتفريغ ملايين البراميل من النفط الخام في المحيط. وقد اندلع الغضب العام في الولايات المتحدة، واضطرت مجموعة بريتش بتروليوم إلى البيع السريع لمجموعة من الأصول. بصورة إجمالية، فاتورة مجموعة بريتش بتروليوم المتعلقة بالتنظيف، والأضرار البيئية والاقتصادية والعقوبات الرسمية وصلت إلى 54 مليار دولار. السؤال الآن هو إلى أين ستذهب الشركة من هنا؟ هل أصبحت غير مقيدة بالفعل، وقادرة على العودة إلى ماض جريء وانتهازي؟ أم أن هذه هي الإشارة إلى شركة مفترسة، مثل إكسون موبيل، للانقضاض على شركة منافسة تتقلص؟ التسوية هي أمر حاسم بالنسبة لآفاق مجموعة بريتش بتروليوم. بحسب تعبير أحد المحللين، إن الرقم المعلن في عناوين الصحف الرسمية "رهيب"، لكنه ينهي الأمر. والنتيجة كان من الممكن أن تكون أسوأ بكثير. قبل أربعة أشهر، كان بوب دادلي، الرئيس التنفيذي، يعتقد أن مثل هذا الاتفاق الشامل هو أقرب إلى المستحيل. المطالبات من حكومات الولايات والحكومات المحلية ارتفعت إلى أكثر من 34 مليار دولار. "بريتش بتروليوم" التي ثبتت إدانتها بتهمة "الإهمال الجسيم" من قبل محكمة أمريكية في نيو أورليانز، كانت تنتظر لمعرفة حجم العقوبة بموجب قانون المياه النظيفة، حيث الحد الأقصى هو 13.7 مليار دولار. وكانت المحادثات السابقة قد فشلت في عام 2012. غير أن الظروف تغيرت: لقد انهار خام برنت من أعلى مستوى بلغ 115 دولارا للبرميل في العام الماضي إلى أقل من 60 دولارا بحلول شهر آذار (مارس) الماضي. وقد أدى الانخفاض إلى تقليص أرباح شركة بريتش بتروليوم، الأمر الذي جعل عقوبة أخرى بعدة مليارات الدولارات بمنزلة احتمال مخيف. داخل مجلس الإدارة، كانت هنا مخاوف أن مثل هذه الغرامة يمكن حتى أن تؤدي بشركة الاستكشاف والإنتاج التابعة لمجموعة بريتش بتروليوم في الولايات المتحدة - واحدة من أكبر شركاتها - إلى الإفلاس. وكان المسؤولون التنفيذيون يفكرون في سيناريو تنسحب الشركة بموجبه من معظم أعمالها في خليج المكسيك، الذي ينتج ما يعادل نحو ربع مليون برميل من النفط يوميا. في حال انهارت الشركة التابعة في الولايات المتحدة، فمن الممكن أن تتعرض الشركة الأم القائمة في المملكة المتحدة إلى محاكمات منفصلة، لأن حكومات الولايات والحكومات المحلية كانت تسعى للحصول على المزيد من التعويض. سيكون هناك ثمن ستدفعه الولايات المتحدة أيضا. فقدان الوظائف كان سيكون حتميا: ذلك أن مجموعة بريتش بتروليوم توظف 18 ألف شخص في الولايات المتحدة وتدعم 200 ألف وظيفة أخرى. يقول أحد الشخصيات في مجموعة بريتش بتروليوم: "إن الضغط المالي على الشركة الفرعية في الولايات المتحدة وشبح قيامنا بالانسحاب من تلك الولايات تماما كان بمنزلة عامل ضغط بالنسبة لجميع الأطراف". ما زاد من المخاوف بالنسبة للولايات كان الحقيقة بأن أي عملية استئناف يمكن أن تستمر لمدة ثلاثة أو أربعة أعوام. وتراجع سعر النفط كان يلحق الضرر بميزانياتها، أيضا. الآن من مصلحة كلا الجانبين التوصل إلى اتفاق. في اجتماع بين دادلي وباتريك جونو، محامي لويزيانا الذي يدير التعويض عن التسرب، تم اتخاذ قرار بالمحاولة مرة أخرى. توزيع العبء براين جيلفاري، كبير الإداريين الماليين في "بريتش بتروليوم"، قاد فريق صغير في جولة مكثفة من المحادثات بدأت في أيار (مايو) الماضي. بحلول منتصف حزيران (يونيو) الماضي، كانت الخطوط العريضة لاتفاق قد ظهرت بحيث تضمنت جدولا زمنيا للدفع، الذي وصفه أحد المسؤولين التنفيذيين بأنه "جدول من الأرباح بالنسبة للخليج". بشكل حاسم بالنسبة لمجموعة بريتش بتروليوم، هذا من شأنه توزيع التكلفة النهائية على مدى 18 سنة. ستكون هناك ضربة فورية لأرباح "بريتش بتروليوم"، حيث إن مخصصات ما قبل الضرائب بمقدار عشرة مليارات دولار تأتي في نتائج الربع الثاني، لكن جدول مواعيد الدفع - وعقوبة قانون المياه النظيفة بقيمة 5.5 مليار دولار بدلا من 13.7 مليار دولار - يعني أن "بريتش بتروليوم" لا تزال تملك مستقبلا في الولايات المتحدة، حيث ستدفع الشركة أكثر قليلا من مليار دولار سنويا، وهو مبلغ تم تخفيضه من خلال شطب جزء منه مقابل الضرائب. كما ستكون المجموعة بمنأى عن المزيد من الملاحقة القضائية الفيدرالية أو من الولايات أو المحلية المتعلقة بالكارثة. يقول جيلفاري إن توزيع الدفعات لن يتأثر. رحب المساهمون بالصفقة. يقول كريس ويتون من شركة أليانتز جلوبال انفستورز: "هذا أمر يمكن التعامل معه". داخل المقر الرئيسي لبريتش بتروليوم في سانت جيمس سكوير، يعيد المسؤولون التنفيذيون التنظيم الذي يتطلب بعض الوقت. لا أحد يتوقع أن الشركة ستحاول العودة إلى الحجم الذي كانت عليه قبل خمسة أعوام. وجيلفاري ليس على وشك تمزيق خطة محكمة للإنفاق الرأسمالي التي تفرض تخفيضات بنسبة 13 في المائة لعام 2015. كما تم تجميد الرواتب كجزء من التخفيضات، لكن التركيز الصادر عن عدم اليقين إزاء "ديب ووتر هورايزون" - خاصة في الولايات المتحدة - سيبدأ بالتحول، من كونه على الجانب الوقائي باستمرار نحو النمو. مع سعر خام برنت خام الذي لا يزال أقل من 60 دولارا، فإن الضغط على هوامش الأرباح يظل مستمرا، لكن ستكون هناك المزيد من المرونة عندما يراجع المسؤولون التنفيذيون قائمة من 50 مشروعا من المقرر أن يتم تنفيذها - لإنتاج نحو 900 ألف برميل من النفط يوميا. جميع الأنظار ستكون على عمليات النفط في المياه العميقة التابعة لشركة بريتش بتروليوم، بما في ذلك في خليج المكسيك، الذي أصبح موطنها. مجموعة بريتش بتروليوم تملك ثماني منصات حفر تعمل في خليج المكسيك، ما يجعلها واحدة من الشركات الأكثر نشاطا في المنطقة. هناك اختبار كبير للثقة سيكون ما إذا كانت ستقرر متابعة مشروع المياه العميقة الكبير والمعقد، ماد دوج 2. يقول جيلفاري: "لو أننا لم نتوصل لحل بشأن هذا الأمر، كنا لنتساءل ما إذا سيكون بإمكاننا وضع المزيد من الاستثمارات في الولايات المتحدة. كان من الممكن أن يكون هناك خروج. حل هذا الأمر يعني أن بإمكاننا الآن العمل مرة أخرى في خليج المكسيك". في الواقع، أمريكا الآن هي أيضا المسرح لبداية جديدة. في إلدريدج بلايس، في هيوستن، أعادت مجموعة بريتش بتروليوم تنظيم مساحة المكاتب لإفساح المجال من أجل المقر الرئيسي لشركتها "لوار 48 أون شور"، التي ستدير عمليات المنبع ما بعد الإنتاج في الولايات المتحدة خارج آلاسكا وخليج المكسيك. محاكاة اللاعبين الصغار الفكرة وراء المقر الرئيسي الجديد هي إقامة أعمال منفصلة ومستقلة يمكن أن تنافس التكاليف الضئيلة، وتوجد ديناميكية الشركات الأصغر قادت ثورة الزيت الصخري في الولايات المتحدة. تحقيقا لهذه الغاية، قامت بريتش بتروليوم بتخفيض نحو ثلث موظفي القسم، وتعيين ديفيد لولر لإدارة الأعمال، باستقطابه من شركة ساندريدج للطاقة، واحدة من شركات الإنتاج الأصغر. الإنتاج، الذي بلغ في المتوسط 232 ألف برميل من النفط يوميا في عام 2014، يمثل 12 في المائة من الإنتاج المملوك بالكامل لمجموعة بريتش بتروليوم، والشركة ترى إمكانية للنمو. وقد قامت بزيادة منصات الحفر العاملة من اثنتين فقط في نهاية العام الماضي إلى 11، بما في ذلك منطقة الميثان المستخرج من الفحم في كولورادو وتشكيل أناداركو في أوكلاهوما. الصورة العامة للمجموعة هي في تحسن أيضا. المعارضة السياسية في الولايات المتحدة لمجموعة بريتش بتروليوم هي أقل حدة بكثير الآن مما كانت عليه في ذروة التسرب. على الرغم من أن بعض المجموعات البيئية اشتكت من أن تسوية الأسبوع الماضي لم تكن كافية، إلا أن هناك مجموعات أخرى رحبت بها، قائلة إنها ستقوم بتوجيه أكثر من 12 مليار دولار إلى منطقة الخليج. إيد ماركي، عضو مجلس الشيوخ الديمقراطي من ولاية ماساتشوستس، الذي كان الآفة التي تهدد "بريتش بتروليوم" قبل خمسة أعوام عندما كان في مجلس النواب، قال إن الصفقة من شأنها أن "تنجح كثيرا في مساعدة مجتمعات ساحل الخليج التي لا تزال تعمل لتحقيق الانتعاش". خطوة خطوة، أصبحت علاقات شركة بريتش بتروليوم مع الحكومة الأمريكية طبيعية، حيث كان قد تم حظرها من نيل عقود فيدرالية في عام 2012 من قبل وكالة حماية البيئة في الولايات المتحدة، الأمر الذي كلف الشركة صفقة مربحة لتوفير الوقود للجيش الأمريكي. لقد تم رفع الحظر العام الماضي بعد أن قامت "بريتش بتروليوم" بتقديم التزامات تتعلق بالأخلاق والسلامة والحوكمة. حتى أن هناك أقوالا إن "بريتش بتروليوم" يمكن أن تبدأ في بناء الأعمال من خلال عمليات الاستحواذ. ويقال إن المسؤولين التنفيذيين كانوا يقومون "بمسح الأفق"، وفي حال تراجعت التقييمات، فهناك احتمال للتوصل إلى صفقة للزيت الصخري الأمريكي. إن كون المجموعة قادرة على التفكير في هذا يرجع إلى تقليص حجمها. بعد إعلان مجموعة بريتش بتروليوم عن خسارة بمقدار 16.9 مليار دولار في تموز (يوليو) من عام 2010، شرعت في عملية بيع للأصول. حيث تخلصت من أكثر من نصف خطوط أنابيبها، و35 في المائة من آبارها و12 في المائة من احتياطياتها. المصافي في الولايات المتحدة وحقول الغاز الطبيعي غير المربحة اختفت، بينما عادت "بريتش بتروليوم" إلى وسط وجنوب شرقي آسيا، وبحر الشمال وروسيا. روبن ويست من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية يقول إنه على الرغم من حجم الكارثة في بئر مكوندو التابع للشركة في الخليج، إلا أن التخفيضات تركت مجموعة بريتش بتروليوم في موقع سليم نسبيا. يقول: "اضطرت مجموعة بريتش بتروليوم لخوض عملية تعطيل لنفسها، وبيع الأصول قبل أن تقوم الشركات المنافسة بإطلاق برنامج مماثل، وقبل أن تنخفض أسعار النفط. وهذا كان يعني أنها قامت بالبيع بأسعار ممتازة، في ذروة السوق". الميزانية العمومية في "بريتش بتروليوم" لا تزال قوية. صافي الديون كان 25.1 مليار في نهاية آذار (مارس) الماضي، أقل بقليل مما كان في العام السابق. الديون، أو نسبة صافي الديون إلى حقوق الملكية، من المتوقع أن ترتفع من 18.4 في المائة إلى أقل من 20 في المائة بقليل، لكنها ستبقى أقل من مستويات ما قبل عام 2010. كما أن وكالة موديز بتغيير توقعاتها للتصنيف الائتماني A2 لمجموعة بريتش بتروليوم من سلبية إلى إيجابية. علاوة على ذلك، التسوية تجعل من الواقعي أن تقوم الشركة بالمزاودة بجميع الأشكال، أو عرض النقود والأسهم، لشراء مجموعة أخرى. مع القضاء على خطر كارثة ديب ووتر هورايزون، فإن مساهمي الشركة المستهدفة من غير المرجح أن يحجموا عن اتخاذ الأسهم. حتى أن عمليات الاستحواذ يمكن أن تكون ضرورية. سجل المجموعة من الاستكشاف، مثل الذي في المجموعات الكبيرة الأخرى، كان متفاوتا. نسبة استبدال الاحتياطي العضوي، أو النفط والغاز المضاف إلى الاحتياطات نسبة إلى الناتج، انخفضت بشكل حاد العام الماضي. يقول أحد المساهمين: "إن الاستراتيجية يجب أن تتعلق بالعثور على بعض الاحتياطات". عامل شركة إكسون الخطر هو أن شركة إكسون موبيل قد لا تمنح "بريتش بتروليوم" المجال الذي تحتاج إليه لتنفيذ مثل هذه الاستراتيجية. كانت هناك تكهنات بأن "إكسون" قد تحول اهتمامها إلى مجموعة بريتش بتروليوم، بعد أن حرمت من الفرصة لشراء مجموعة بي جي من قبل العرض المتفق عليه البالغ 55 مليار جنيه من "رويال داتش شل". تدرب المصرفيون جيدا على هذا السيناريو. وجود شركة بريتش بتروليوم في خليج المكسيك، وأصولها في المياه العميقة في البرازيل وأنجولا سيكون بمنزلة تعادل. وحصتها في شركة روسنيفت ستعمل على إضافة الناتج الروسي بعد أن تم تأجيل مشروع إكسون في المنطقة القطبية بسبب العقوبات الدولية. كما ستكون هناك وفورات. على أن المحللين متشككون، ويشيرون إلى قائمة مجموعة بريتش بتروليوم القصيرة من المشاريع "مدى الحياة" والنقص النسبي في الغاز الطبيعي المسال. الحصول على مثل هذه الحصة الكبيرة في شركة روسنيفت. تملك مجموعة بريتش بتروليوم أسهما بنسبة 19.75 في المائة في الشركة الروسية - قد لا يلقى استقبالا حارا في واشنطن. كما أن هناك أيضا تناقضا عميقا في الثقافات بين أسلوب مجموعة إكسون المنهجي الذي تدفعه العمليات، ونهج مجموعة بريتش بتروليوم الأكثر مغامرة. ريكس تيليرسون، الرئيس التنفيذي في "إكسون" كان منتقدا لأداء مجموعة بريتش بتروليوم من حيث السلامة، الأمر الذي من شأنه جعل أي صفقة من الصعب مفاوضتها وتنفيذها على حد سواء. سيكون ذلك خطرا من الناحية السياسية أيضا في بريطانيا. رئيس الوزراء ديفيد كاميرون يعارض أن يكون هناك عرض للاستحواذ على مجموعة بريتش بتروليوم. رئاسة الوزراء في بريطانيا، تعرضت للأذى بسب عرض مجموعة الأدوية الأمريكية فايزر للاستحواذ على الشركة البريطانية السويدية أسترا زينيكا في السنة الماضية، حيث روج الوزراء للصفقة، لكنهم وجدوا أنفسهم في موقف مناهض للرأي العام، لذا فقد أعلنت بوضوح أنها تريد أن تظل مجموعة بريتش بتروليوم مستقلة. يجدر بنا عدم استبعاد عرض من شركة إكسون، لكن تيلرسون لديه خيارات أخرى. عدة مرات خلال السنوات الخمس السابقة كان الأمر يبدو وكأن شركة بريتش بتروليوم كانت على حافة الانقراض. اليوم هي شركة ضعيفة ومصابة بالكدمات والندوب - لكنها حية، وتبدو أنها ستظل على هذا النحو.