قاومت سوق النفط الخام تداعيات توقيع الاتفاق الإيراني الغربي حول برنامجها النووي، الذي يمهد لرفع العقوبات الاقتصادية واستئناف ضخ الصادرات النفطية الإيرانية، واتجهت السوق إلى الارتفاع مع قناعة المتعاملين في السوق بأن العودة قد ستستغرق بعض الوقت. واعتبر المراقبون تلميحات جون كيري وزير الخارجية الأمريكي بإمكانية عودة العقوبات إذا لم تمض إيران بشكل جدي في الحد من برنامجها النووي للأغراض غير السلمية دلالة على أن رفع العقوبات الاقتصادية أمر ليس نهائيا وأن الاتفاق ربما يواجه التعثر عند التطبيق العملي. وتلقت سوق النفط دعما جديدا من تراجع المخزونات النفطية الأمريكية إلى جانب دعم من الأداء المتباين والتراجع الملحوظ للدولار الأمريكي أمام بقية العملات الرئيسة. وقال لـ"الاقتصادية"، مايكل تورنتون المحلل بمبادرة الطاقة الأوروبية، إن سوق النفط اتجه إلى التعافي مدفوعة بضبابية المشهد بخصوص الاتفاق الإيراني الذي يحتاج إلى الكثير من الوقت كي ينضج وينعكس على وفرة المعروض العالمي بينما تأثرت السوق بشكل مباشر من تراجع المخزونات والدولار. وأضاف تورنتون أن الاتفاق الإيراني الغربي تضمن عودة العقوبات بمجرد تعثر تنفيذ الاتفاق أو تلكؤ إيران في الكشف عن تفاصيل وتطورات برنامجها النووي وهو يعنى أن عملية ضخ الصادرات النفطية الإيرانية غير مستقرة وتحتاج إلى الكثير من الوقت وأيضا هي بحاجة إلى رضا غربي كامل عن برامج عمل إيران في الطاقة النووية وتقييم لمدى تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة النووية في هذا الشأن. وأشار تورنتون إلى أنه إذا أخذنا في الاعتبار أمرا آخر وهو حاجة إيران إلى تجديد وتحديث المنشآت النفطية وضخ استثمارات كبيرة بالتعاون مع الشركات الدولية من أجل استعادة مستويات الصادرات النفطية قبل العقوبات سنجد أنفسنا أمام مهمة صعبة وستستغرق بعض الوقت. من جهته، يرى بيش ارجيال المختص النفطي في مؤسسة "ست" السويسرية للطاقة، أن وزير الخارجية الأمريكي ركز خلال كلمته في فيينا عقب توقيع الاتفاقية على وجود أزمة ثقة بين الجانبين وأن التجربة العملية والالتزام الجاد يمكن أن يزيل هذه الأزمة ويثبت قضية رفع العقوبات الاقتصادية، التي ما زالت مهددة بالعودة في حالة تعثر التطبيق العملي. وأشار ارجيال إلى أن تأثير عودة الصادرات الإيرانية في المعروض العالمي سيبقى معلقا وموضع شك للمراقبين في السوق إلى حين استقرار الاتفاقية ونجاح تطبيقها وتعافى الطاقات الإنتاجية والاستثمارية في إيران. وأضاف ارجيال أن بعض الدول بدأت الاستعداد مبكرا لحالة وفرة المعروض وانخفاض الأسعار بسبب الصادرات الإيرانية حيث وجدنا العراق على سبيل المثال أعلن عن زيادة إنتاجه إلى مستويات قياسية بهدف تعويض الخسائر المتوقعة من انخفاض الأسعار بسبب ضخ الصادرات النفطية الإيرانية. فيما أشار مارتين جورجييف المختص النفطي في هيئة الطاقة البلغارية، إلى أن الدراسات الاقتصادية تؤكد أن تعافي النفط الإيراني قد يحتاج إلى عدة سنوات إلى حين تجديد المنشآت النفطية وضخ استثمارات كبيرة ولكن المؤشرات الأولية لهذا التعافي قد تظهر مع بداية العام المقبل وتزيد المعروض العالمي وربما لا تكون الزيادة مؤثرة إذا حدث تعاف ونمو مواز في الطلب العالمي أو تقلص المعروض الأمريكي من النفط الصخري. وأوضح جورجييف أن هبوط المخزونات الأمريكية يعد داعما كبيرا للأسعار ومؤشرا جيدا على تحسن مستويات الطلب العالمي، الذي من المتوقع أن يرتكز في الفترة المقبلة في دول آسيا والأسواق الناشئة. وأضاف جورجييف أن عودة الشركات الدولية للاستثمار في النفط الإيراني مرهون بنجاح الاتفاقية والمضي قدما في تنفيذها بجدية من الجانبين كما أنه مرتبط بتحسن أوضاع سوق النفط بشكل عام وارتفاع الأسعار إلى المستويات الملائمة للاستثمارات ولن يتحقق ذلك إلا بقفزة نوعية في مستويات الطلب العالمي. من ناحية أخرى، على صعيد الأسعار، سجلت أسعار النفط في آسيا أمس الأول ارتفاعا على الرغم من الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني الذين يمهد لعودة خام هذا البلد إلى الأسواق إذ إن الوسطاء يتوقعون أن يستغرق ذلك بعض الوقت. وسجل سعر برميل النفط الخفيف (لايت سويت كرود) تسليم آب (أغسطس) الذي انخفض بشكل واضح منذ مطلع الشهر، ارتفاعا قدره 26 سنتا ليبلغ 53.29 دولار وذلك بعدما كسب 84 سنتا الثلاثاء في نيويورك. أما برميل البرنت نفط بحر الشمال تسليم آب (أغسطس) أيضا فقد ربح عشرة سنتات ليبلغ سعره 58.61 دولار، وكان قد ارتفع 66 سنتا الثلاثاء في لندن. وبموجب الاتفاق الإيراني الغربي يمكن لإيران العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" تصدير نفطها بحرية من جديد وهو ما يثير قلق الوسطاء في سوق النفط حيث يبلغ فائض العرض حاليا بين 1.5 مليون ومليوني برميل يوميا. وبعد يوم من التوصل أخيرا إلى اتفاق إيران النووي ارتفعت أسعار النفط إذ يدرك المستثمرون أن طهران تحتاج إلى بعض الوقت لزيادة الإنتاج لكن زيادة صادراتها في نهاية المطاف ستزيد من تخمة أسواق لديها ما يكفي من المعروض بالفعل. وجرى تداول عقد شهر أقرب استحقاق من خام القياس العالمي مزيج برنت عند 58.72 دولار للبرميل مرتفعا 21 سنتا عن آخر تسوية وصعد الخام الأمريكي الخفيف 28 سنتا إلى 53.32 دولار للبرميل. فيما تراجعت سلة خام أوبك وسجل سعرها 54.55 دولار للبرميل يوم الثلاثاء مقابل 55.23 دولار للبرميل في اليوم السابق. وبحسب التقرير اليومي لمنظمة "أوبك " فإن سعر السلة التي تضم 12 خاما من إنتاج الدول الأعضاء تراجع لليوم الثاني على التوالي ليبقى قريبا من مستوى الثلاثاء قبل الماضي، الذي سجل خلاله 54.25 دولار للبرميل، مشيرا إلى أن التذبذب في الأسعار كان السمة الغالبة على السلة خلال شهري حزيران (يونيو) الماضي وتموز (يوليو) الجاري.