أعلن الناخبون اليونانيون وبأغلبية مطلقة (61.3 %) رفضهم القوي لشروط التقشف القاسية التي سعت البنوك الأوربية والدولية إلى فرضها على بلادهم من أجل مساعدتها ببرنامج إنقاذ مالي جديد. وكان حزب سيريزا الحاكم قد نظم حملة انتخابية تحت شعار «لا» لرفض شروط الدائنين باعتبارها «مهينة» للشعب اليوناني وقال رئيس الوزراء اليوناني، أليكسس تسيبراس، إن اليونانيين اتخذوا «قرارا شجاعا» عند التصويت في استفتاء الأحد الماضي الذي انتهى برفض شروط الدائنين الدوليين، معتبرا أن رفض شروط حزمة الإنقاذ من شأنه أن يمنح اليونان قوة خلال المفاوضات المتعلقة بديونها الثقيلة مضيفا «لا أحد بإمكانه تجاهل تصميم الشعب اليوناني على تقرير مصيره بنفسه». وكتب تسيبراس على حسابه في موقع تويتر، بشأن الديون، قائلا: وفق تقرير صندوق النقد الدولي، فإن السبيل الوحيد لمعالجة الديون اليونانية هو إلغاء 30 في المئة منها، ومنح اليونان إعفاء لمدة 20 عاما وهذا ما طالب به اثناء لقائه المجلس الأوربي في بروكسل يوم الثلاثاء الماضي. واحتفل عشرات الآلاف من اليونانيين في الشوارع بعد إعلان النتيجة النهائية وهي 61.3% لرفض الشروط في مقابل 38.7% لقبول الشروط. وقد هزت نتيجة الاستفتاء منطقة اليورو بأسرها، والجدير بالذكر ان منطقة اليورو تضم 19 دولة من بين دول الاتحاد الأوربي الـ27. وفي رد فعل مباشر حذر العديد من المسئولين الأوربيين من أن نتيجة الاستفتاء قد تعرض اليونان للطرد من منطقة اليورو، فرئيس مجلس وزراء مالية اليورو اعتبر نتيجة الاستفتاء مؤسفة جداً بالنسبة لمستقبل اليونان، في حين حذرت المانيا التي تعتبر اكبر الدائنين لليونان (69 مليار دولار) من أي شطب للديون بلا شروط وقال نائب المستشارة الألمانية، سيغمار غابرييل، ان استئناف المفاوضات مع اليونان أمر «من الصعب تخيله»، وأضاف أن رئيس الوزراء اليوناني، «هدم الجسور بين اليونان وأوروبا». ويواصل البنك المركزي الأوروبي ضغوطه على المصارف اليونانية، إذ يرفض إمدادها بالمزيد من القروض العاجلة، ويطالبها بتوفير ضمانات للقروض التي حصلت عليها، وقد انعكست نتيجة التصويت في تراجع سعر اليورو وأسواق الأسهم الأوربية والآسيوية. اللافت ان الحكومة اليونانية في مقاومتها لضغوط المصارف والبنوك الأوربية لم تتخذ خطوات أحادية برغم شرعيتها الدستورية باعتبارها تمثل الحزب الحاكم وفقا لصناديق الانتخاب، بل لجأت إلى تحفيز المقاومة الشعبية من خلال الاستفتاء لمعرفة رأي الشعب في رفض أو قبول الخطة التقشفية. اليونان تحولت إلى مختبر وضحية لقوانين الرأسمالية الغربية و»لليبرالية الجديدة» التي همها ينكب على تعظيم أرباح المؤسسات والبنوك المالية القارية والدولية عبر نشاطات ذات طابع طفيلي/ ريعي دون ان تمس تنمية القطاعات الإنتاجية/ التنموية التي تصب في صالح اغلبية المجتمع، وقد تجاوزت ديون اليونان 300 مليار دولار تشكل حوالي 170% من ناتجها القومي، غير ان تلك الديون ما لها أي مردود إيجابي على الاقتصاد، وعلى تحسين معيشة غالبية الشعب اليوناني ، وبشكل خاص العمال والأجراء والطبقة الوسطى حيث قلصت الأجور ورواتب التقاعد، وسرح مئات الآلاف من العاملين في القطاعين الحكومي والخاص، كما يعاني 30% من السكان البالغين من البطالة منهم 50% من الشباب، كما ازدادت نسبة الفقر وتدني الخدمات وضمانات التقاعد وذلك ضمن سلة الشروط القاسية التي فرضها الدائنون. وفي المقابل كان المستفيد الأكبر من تلك الديون هم البنوك والمصارف الأوربية والبنك المركزي الأوربي والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، إلى جانب حفنة من كبار الرأسماليين والساسة اليونانيين الفاسدين والذين سعو لإبقاء اليونان منتجعا سياحيا ودولة فاشلة وتابعة للمحور الذي تقوده المانيا التي تمثل اكبر اقتصاد في أوربا. كل تلك المعطيات أدت إلى ما أسفرت عنه الانتخابات اليونانية التي أجريت في 25 يناير الفائت عن فوز ساحق لحزب «سيريزا» (تكتل اليسار الراديكالي) وذلك بحصوله على 149 مقعداً في البرلمان الذي يضم 300 عضو. اليونان هذا البلد الطرفي الفقير في أوربا ، اعاد من جديد أولوية المسألة الاجتماعية - الطبقية المتشابكة مع مفاهيم الكرامة والوحدة الوطنية والعزة القومية ، و القدرة على الصمود في مواجهة العولمة المتوحشة وضواري رأس المال. تتشابه أوضاع اليونان وتتقاطع مع العالم العربي في قضايا كثيرة غير أن الرؤية و المسار الذي اختطته تحت قيادتها الجديدة يغاير تماماً ما آلت اليه الأمور في العالم العربي الذي يتسم بالانقسام والعجز والتبعية، وحيث وصلت ثورات ما يسمى «الربيع العربي» إلى طريق مسدود، وباتت المنطقة العربية مسرحا لصراعات وحروب دينية ومذهبية واثنية ومناطقية وقبلية، خصوصاً مع تصاعد دور التنظيمات الإرهابية التكفيرية في المشهد العربي العام، مما ينذر بتقسم المقسم وتجزئة المجزئ.