وصل سعود الفيصل إلى الساحة الديبلوماسية مع اشتعال الحرب الأهلية في لبنان. وانصرف عنها والحرب السورية تزداد اشتعالاً، وما بين الحربين توالت أحداث كبرى. اشتعلت الحرب العراقية- الإيرانية، تفكّك الاتحاد السوفياتي، ودخل جيش صدام دولة الكويت غازياً، وغيّرت هجمات 11 أيلول (سبتمبر) بوصلة السياسة العالمية، وسقط العراق في يد القوات الأميركية. وخلال تلك الأحداث التي عاودت تشكيل مواقف الدول وحدودها، كان لسعود الفيصل صوت وخطاب، ولعب أدواراً لم تُتَح لغيره. لم يكن سعود الفيصل أقدم وزراء الخارجية، بل أكثرهم قدرة. تسلَّحَ بتقاليد السياسة الملكية السعودية المستندة إلى الهدوء وطول البال، والجنوح إلى التفاوض والسلم، وورث من والده البصيرة والصبر. امتلك سعود الفيصل موهبة غير عادية في الإقناع، وساعدته في ذلك لغته الرفيعة، وحين يتحدث باللغة الإنكليزية كان يقول ما يريد ببلاغة الإيجاز، وتتحول عبارته إلى حِكَم يردّدها الكتّاب والصحافيون في مقالاتهم. وعلى رغم جدية اللغة التي كان يتحدث بها الأمير سعود الفيصل، إلا أنه كان يلجأ، أحياناً، إلى السخرية لتوصيل مواقف قاسية، مثل وصفه حال العلاقات السعودية- الأميركية، المتوترة عام 2004، بالقول إنها «مثل الزواج الإسلامي، تستطيع فيه السعودية الاحتفاظ بعدة زوجات ما دامت تستطيع العدل بينهن». خلال أحد الاجتماعات العربية على المستوى الوزاري، عام 1999، استقبل الأمير سعود الفيصل عدداً من الكتّاب والصحافيين، حيث يقيم. كان الحديث عن الوضع في العراق، بعد ضربات «ثعلب الصحراء». كانت التظاهرات والاحتجاجات تعمّ البلاد العربية ضد الهجوم الأميركي، وما خلّفه من دمار، وخلال تلك الفترة سعى بعض الدول العربية، وعلى رأسها السعودية، إلى استثمار الظرف، وكسر الحصار والتعامل في شكل مباشر مع الحكومة العراقية، لكن الرئيس صدام حسين رفض قرار مجلس الأمن الرقم 1284 القاضي بتشكيل لجنة للمراقبة والتقصي، وضيَّع الفرصة على التّحركات العربية التي كان يمكن أن تُغيِّر مسار الأحداث. أحدنا سأل الأمير سعود الفيصل عن إمكانية معاودة الجهد العربي والتفاهم المباشر مع العراق، وصولاً إلى كسر الحصار المفروض على الشعب العراقي. تبسّم الأمير وسأل: «فيكم أحد تركي»؟ وأضاف: مشكلتنا مع الرئيس صدام حسين أنه يتصرف مثل الباشا التركي الذي خانته الأيام، وبات لا يستطيع حتى تأمين قوت أولاده، فأشار عليه بعض أصدقائه بالبحث عن عمل. وافق الباشا مكرهاً على الاقتراح. اتفق أصدقاؤه على أن يصبح بائعاً متجولاً يبيع الفجل. تبرّع أحدهم له بزنبيل، والآخر بكمية من الفجل. خرج الباشا إلى السوق وعلى رأسه الزنبيل وبدأ يدعو الناس للشراء قائلاً لهم: فِجْل يا كلاب. هذه حالنا مع الرئيس صدام حسين. لا يملك سوى زنبيل فجل، لكنه يتصرف على أنه باشا. رحم الله الأمير سعود الفيصل. عبّر عن مواقفنا بالحزم تارة، والسخرية تارة أخرى، وكتب تاريخنا الديبلوماسي والسياسي، ومضى.