يعتبر جامع الرسالة المقام في مدخل العاصمة الإماراتية أبوظبي عند جهة مطار أبوظبي الدولي في مدينة خليفة، أول جامع يبنى وفق الطراز الإماراتي الأصيل في فن عمارة المساجد، وبصورة تكاد تكون خالصة بنسبة 100%، وعمد مصمموه إلى أن يكون صرحاً معمارياً متميزاً وفريداً من نوعه ليؤكد أن العمارة الإماراتية قائمة بذاتها ولها القدرة على الديمومة والبقاء والتفرد على مدى السنين، فجاء عمله الهندسي هذا ذا تصميم جميل وأنيق لكل جزء من أجزائه. حظيت واجهات الجامع الذي افتتح عام 1431ه الموافق 2010م، بالسمة البارزة لهذا الفن المعماري الجميل الذي يجمع بين عمارة الساحل، والعمق الحضاري والقروي والبدوي لهذه المنطقة، وبني هذا الجامع على قطعة أرض كبيرة تبلغ مساحتها قرابة 40 ألف قدم مربعة، وشغل البناء منها مساحة 5 آلاف و500 قدم مربعة، أما الإيوان الخارجي للجامع فتبلغ مساحته 820 قدماً مربعة، بينما جاءت المساحة الكلية لمصلى النساء الكائن في الدور العلوي بقياس قدره 420 قدماً مربعة، بينما بلغت مساحة المصلى قرابة ألف و460 قدماً مربعة. الشكل العام لقبة الجامع جسم كروي مرفوع على قاعدة ثمانية الأضلاع، ويوجد في كل ضلع منها ثلاث نوافذ، بما يسمح بتسلل الإنارة الطبيعية للمسجد، ويبلغ ارتفاع القبة مع الهلال عن سطح الأرض 20 متراً، وزينت من الخارج بالخطوط الإسلامية الموجودة في داخلها، كما أضيفت كرانيش من الخراسانة عند التقاء القبة بالسطح المدبب، وتبلغ أبعاد القطر الداخلي للقبة 10 أمتار، بينما يبلغ طول الضلع في كل جزء من الأضلاع الثمانية 4 أمتار وثلث المتر، أما ارتفاعها الإجمالي من دون الهلال فيبلغ عن سطح المسجد قرابة 7 أمتار، أما الهلال فيبلغ ارتفاعه 2,5 متر، بينما يبلغ ارتفاع الجزء الكروي 4,5 متر. ويتميز الطراز الإماراتي باستخدام البراجيل، التي تعد من المعالم الأساسية في الطراز المعماري المحلي، وهي جهاز تكييف الهواء وتبريده كان يستخدم أيام الصيف في الخليج العربي قبل دخول الكهرباء إلى هذه البلدان، وباعتبار أن المنارة العلامة التي تميز المسجد فقد وقع الاختيار عليها لوضع البراجيل أعلاها، ما يعتبر جرأة في التصميم، حيث لم تستخدم هذه الفكرة من قبل، أما بالنسبة لأبعاد المنارة فإن ارتفاعها مع الهلال يبلغ 35 متراً، بينما جاءت أبعاد أضلاعها من الأسفل 4X4 متر، وهي منفذة في الزوايا الشمالية الشرقية للمسجد، ومكونة من 6 أجزاء، كل جزء منها يختلف عن الآخر بالعناصر المعمارية الموجودة فيه من كرانيش ونوافذ. وتوفرت مجموعة من النوافذ العلوية والسفلية لإدخال الإنارة الكافية للمسجد عبر هذه النوافذ، كما تم اختيار اللون البني الخشبي ليتناسب مع الطراز الإماراتي، على الواجهات الشمالية والغربية والجنوبية بأبعادٍ قدرها 2X2 متراً، أما على الواجهة الشرقية وحسب متطلبات التصميم لوجود طابقين، فتموضعت مجموعة من النوافذ بأبعاد مختلفة بين مربع ومستطيل، مع أقواس للبعض منها حسب التصميم المعماري للواجهة. وبالنسبة إلى قاعة الصلاة الرئيسية في الجامع، فهي فسيحة وأنيقة تتناسب مع هيبته، ويبلغ ارتفاعها من الخارج مع التصوينة المحيطة قرابة 12,5 متر، أما من الداخل فيبلغ 9 أمتار، ومن حيث الإكساء الداخلي للقبة، وضعت 8 مقرنصات إسلامية على زوايا المثمن، وأضيفت خطوط هندسية إسلامية على جسم القبة الكروي وبشكلٍ بسيط ليتناسب مع الطابع الإماراتي في تصميم وتنفيذ هذا الصرح، وتم تنفيذ قاعة الصلاة الرئيسية بمساحة 26X21 متراً مربعة، من دون وجود أي أعمدة خراسانية ليتمكن المصلون من الصلاة بلا فواصل بينهم، وتم اعتماد تصميم خاص لبلاطة السطح للحصول على قاعة صلاة مفتوحة بالكامل اتباعاً للسنة الشريفة، وتتسع هذه القاعة لقرابة ألف مصلٍ من الرجال، بينما تتسع القاعتين العلوية والسفلية المخصصتين للنساء لما يقارب 250 مصلية. كما استخدم الخط الأندلسي في كتابة الآيات القرآنية الكريمة الموجودة في المحراب، وحرص القائمون على بناء هذا الصرح المعماري الإسلامي على انتقاء الآيات القرآنية بعناية فائقة لأجل رسم خطوطها على جدران قاعة الصلاة، وقام بخط الآيات الخطاط عبدالكريم المغربي، أما بالنسبة للزخرفة المستخدمة على جدران الجامع وسقفه، فهي بسيطة تتناسب مع الطابع الإماراتي، نقوش إسلامية هندسية بسيطة وجميلة تم نقشها بأماكن محددة بين النوافذ وفي أعلاها، وتم وضع القوس الإماراتي المميز على نهاية الجدران على شكل كرانيش جميلة. ولم يغب العنصر البشري عن أذهان القائمين على تصميم جامع الرسالة عند اعتمادهم التصميم الداخلي لقاعة الصلاة، إذ إن الأخشاب عنصر مهم في العمارة الإسلامية، ويضفي رونقاً خاصاً، وإحساساً بالمادة الطبيعية، فتم استخدامه في أماكن متفرقة وأهمها السقف، حيث تتقاطع الجسور الخشبية في كل جزء منه، وبأشكالٍ جميلة وأبعادٍ تتناسب مع المساحات المنفذة فيها، كما وزعت أجهزة الإنارة وسماعات الصوت بينهما ليكون المشهد بمجمله في نهاية الأمر لوحة فنية خالصة يتميز بها السقف، كما استخدم الخشب أيضاً في تنفيذ خزائن المصاحف والأبواب الداخلية للمسجد بتصميم ونقش مميز، يتناسب مع طابع الجامع والنقوش الموجودة فيه. اختيرت أبعاد المحراب بما يتناسب مع الطراز الإماراتي للجامع، فمقطع المحراب نصف دائري ومكسي بالجبس الجميل مع قوس من الجبس المحمول على قاعدة دائرية ذات تيجان وقواعد تتآلف مع طرازه المعماري، ويتمتع المنبر بتصميم مميز من الخشب الإفريقي، بارتفاع مدروس يتناسب مع مساحة المسجد بحيث يتسنى للإمام رؤية جميع المصلين من مكان وقوفه، ونفذت النقوش على المنبر بعناية، واستلهمت من العناصر الموجودة في جدران الجامع وقبته، إذ إن النقش الموجود في جزئه السفلي نفسه في زوايا القبة، وذاك الذي في الجزء العلوي منه ذاته الموجود على جدران الجامع، وعلى جانبي المحراب توجد خزانتا مصاحف، إضافة لخزائن أخرى موزعة على جدران الجامع تحت النوافذ، ومزينة بإطار خشبي منقوش بنقش إسلامي مميز لتحقيق توازن هندسي وفني ذي نسق بديع. وأضيفت مساحات خضراء حول الجامع وملحقاته، وزرعت بعض الأزهار وشجيرات الزينة، إضافة لأشجار النخيل التي تتميز بها الإمارات، فضلاً عن أشجار المانغو. مرافق وخدمات السجاد المستخدم في الجامع من النوعية الممتازة، وضعت تحته طبقة من اللباد ليتمكن المصلون من السجود براحة تامة، أما بالنسبة إلى ألوانه وتصميمه، فاختير الأحمر لوناً رئيسياً مع أشكال هندسية إسلامية، وبلون بيج ليعطي وقوف المصلين رونقاً آخر لقاعة الصلاة، وتم توزيع المسافات بين المصلين بعناية، حيث يقدر التباعد بين الصف والآخر بمسافة تبلغ 130 سنتيمتراً ليكون السجود مريحاً لأغلبية المصلين، كما وضعت 5 ثريات في قاعة الصلاة وواحدة كبيرة في الوسط، و4 صغيرات موزعات في أركان القاعة، وجميعها مصنوعة من النحاس المعتق، ذات تصميم إسلامي أنيق، أخذت شكلها من الفوانيس الإماراتية القديمة، وحجمها يتناسب مع حجم الجامع، أما الإنارة المنبعثة منها فهي هادئة لتضفي على القاعة روحانية خالصة، وتم تصنيعها داخل الإمارات، واستخدم في الجامع نظام متميز للصوت، فوزعت السماعات على السقف لتوزيع الصوت بانتظام ومن دون إزعاج للمصلين، وهي نقطة مهمة طالما عانتها العديد من المساجد حول العالم، حيث لا تحظى منظومة الصوت بالعناية الفائقة، وللجامع مبنى منفصل يستخدم كحمامات ومكان للوضوء خاص بالرجال، وهذا الموضئ مكون من 11 حماماً، خصص أحدها لذوي الاحتياجات الخاصة، ووزعت على صفين، يتوسطها صف من المغاسل بارتفاع 80 سنتيمتراً، أما الموضئ فصمم على قسمين، أحدها للوضوء بوضعية الجلوس على كراسي، وآخر وقوفاً، والمبنى مكيف بالكامل، كما يوجد في الجامع مبنى صغير للوضوء الخارجي في الركن الجنوبي الشرقي لحديقة الجامع، مصمم لتخفيف الازدحام في مبنى الوضوء الرئيسي، حيث يوجد فيه صفان من 12 صنبور ماء، تتوسطهما 3 مناهل لشرب المياه الباردة، وحافظ الشكل الخارجي لهذا الموضئ على الشكل التراثي للطراز الإماراتي، حيث استخدمت العناصر المعمارية ذاتها الموجودة على واجهات الجامع، مغطاة ببلاطة أسمنتية لحماية المصلين من حرارة الشمس والمطر في الوقت نفسه.