×
محافظة المنطقة الشرقية

«كافل الرس» تقيم إفطارها الجماعي للأيتام

صورة الخبر

القاهرة - الخليج: حتى لو لم يكن شكسبير فيلسوفاً بمعنى أنه كتب مقالات أو رسائل تناقش مواقف فلسفية، أو تطرح مخططاً فلسفياً شاملاً، إلّا أننا نحتاج إلى التعامل بجدية مع الأفكار المطروحة في مسرحياته وقصائده. هكذا يقدم ديفيد بفينجتون لكتابه عن شكسبير، الصادرة ترجمته العربية عن دار آفاق للنشر، في سلسلة عقول عظيمة، وقد ترجم الكتاب إلى العربية عبدالمقصود عبدالكريم، حيث يؤكد ديفيد بفينجتون أن شكسبير لم يترك لنا نقداً أدبياً أو تنظيراً آخر من هذا القبيل بقلمه، على العكس من معاصره بن جونسون الذي أعلن نظرياته في فن الدراما بصخب في المقدمات والبيانات والخطب الهجائية والأحاديث المدونة، لم يتكلم شكسبير إطلاقاً بصوته معبراً عن أفكاره في الكتابة أو ما يمكن أن ندعوه عموماً فلسفته، وهذا يرجع إلى أنه كاتب مسرحي، يتمتع بعبقرية خاصة، تجعله يسمح لشخصياته بالتعبير عن نفسها من دون تدخله كمحرر. لا يناقش شكسبير الفلاسفة كثيراً، وربما لم يقرأهم باستفاضة، يستشهد بأرسطو مرتين في تعليقات عابرة، ولم يأت أبداً على ذكر أفلاطون أو أكاديميته، ويشير أربع مرات إلى فيثاغورث، باعتبار أفكاره نكتة غريبة، ويذكر اسم سينكا مرة ككاتب مسرحي من الوزن الثقيل في هاملت، ومع أن مفهوم الرواقية مهم بالنسبة لشكسبير إلّا أنه لم يستخدم كلمة الرواقيين إلّا في إشارة كوميدية وحيدة، ليصف الطلبة الذين يفضلون الدراسة بجد عن اللهو واللعب في ترويض النمرة. تمتلئ المسرحيات والقصائد بالأفكار، بعلم ودون علم، كما يشير المؤلف، وقد مجده كتاب كبار عبر دراسات نقدية مهمة، فهناك كينيث سبلدنج الذي كتب فلسفة شكسبير ويتساءل المؤلف: هل تنطق شخصيات شكسبير أحياناً بمعتقداته الشخصية الخاصة؟، ويرى أنه تصور جذاب لأن ما ينطق به هاملت أو لير أو ماكبث أو أي شخصية أخرى عميقة التفكير، أقوال بالغة الحكمة ومحفزة وفصيحة، حتى أننا نعزى بتخيل أننا نسمع صوت المؤلف نفسه، إلّا أن علينا أن ندرك بيقظة أن كل صوت هو صوت روائي، حتى في السونيتات والقصائد الأخرى غير الدرامية. يقول المؤلف: بقدر قلة ما نعرفه عن الآراء الشخصية لشكسبير خارج كتاباته، علينا أن نتحلى بحذر هائل في افتراض أننا يمكن أن نسمعه يتساءل: أكون أو لا أكون مع هاملت، أو التسليم بالخلاصة العدمية لماكبث بأن الحياة ليست إلا ظلاً يمشي. هذا إذن هو التحدي الذي يواجه هذا الكتاب، كما كان حال الدراسات الأخرى السابقة التي طرحت أسئلة عن أفكار شكسبير، إنه شخص رائع، كما يقول المؤلف، لأنه لم يكشف إلّا القليل جداً عن نفسه، ويبوح به في الوقت المناسب، وبهذه الحكمة الاستثنائية، حتى نود أن نعتبره مفكراً، تراكمت المعلومات عنه بتفصيل هائل، لكنها ليست في صورة رسائل أو أحاديث مدونة، ولذا فإن مادة هذه الدراسة هي أفكار شكسبير، مسرحياته، وقصائده. كان شكسبير كاتباً مسرحياً بطرق تميل إلى إخفاء المؤلف خلف العمل، أخذ حبكاته عموماً من مصادر معروفة ومنشورة، تأخذ المسرحيات التاريخية مثل ماكبث حكاياتها الأساسية من كتاب تاريخ إنجلترا وأسكتلندا وأيرلندا وتأخذ المسرحيات الرومانية، خاصة يوليوس قيصر وأنطونيو وكليوباترا وكريولانوس مادتها الروائية من كتاب حيوات نبلاء الإغريق والرومان، واستوحى مسرحيات أخرى كثيرة مثل تاجر البندقية والليلة الثانية عشرة وعطيل حبكتها من قصص قصيرة من إيطاليا أو بلاد أوروبية أخرى. تزداد مشكلة تحديد أفكار شكسبير الخاصة من بين الأفكار المطروحة في المسرحيات أو القصائد تعقيداً بالقدرة الاستثنائية التي يتمتع بها على غمر شخصيته ككاتب في فكر الشخصيات التي يبدعها، إنهم يعبرون عن أعمق أفكارهم، وكأن ذلك يحدث من دون تدخل وجهة نظر المؤلف. إن موهبة شكسبير في إبداع شخصيات لا تنسى موهبة أسطورية.