يدرك كل الآباء أهمية رسم الحدود للابناء خاصة ما يتعلق منها بمواعيد النوم. غير ان القواعد المتعارف عليها في النظام الغذائي والانضباط واللباقة لا تسري في كل الأحوال في المفاوضات النووية الايرانية. ويصف دبلوماسيون مساوئ المحادثات بما في ذلك الأرق والانفصال عن الأزواج والزوجات وصعوبة المحافظة على النظام الغذائي بل والوزن ومحيط الخصر وسط إغراءات الأكل التي لا تنتهي في فيينا. ويجلب الوفد الأمريكي طعامه معه في المحادثات الرامية لتقييد برنامج ايران النووي مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها. وسعى مسؤول أمريكي كبير لبث بعض الهزل في لقاء مع الصحفيين عن الدبلوماسية النووية فتحدث هذا الأسبوع عن عادات الوفد الأمريكي في تناول الوجبات الخفيفة. ومنذ بداية يونيو حزيران استهلك الوفد الأمريكي ما لا يقل عن 4.5 كيلوجرام من مشروب تويزلرز بطعم الفراولة (الفريز) وأكثر من 13 كيلوجراما من المكسرات والفاكهة المجففة وتسعة كيلوجرامات من الجبن و200 قطعة من حلوى رايس كريسبيز. ويوم الاثنين وحده استهلك الوفد ثلاثة لترات من الآيس كريم (البوظة) من نوع زانوني آند زانوني للاحتفال بعيد ميلاد أحد أعضاء الوفد. وقال المسؤول "قضينا هنا من الوقت ما يكفي للاحتفال فعليا بعيد ميلاد كل عضو من أعضاء الوفد في فيينا مرة على الأقل." وأضاف أن الوفد زار العاصمة النمساوية 11 مرة في العام الماضي وست مرات على الاقل هذا العام. وتابع أن الخبراء الأمريكيين الذين يتعاملون مع التفاصيل الدقيقة لعلوم الفيزياء النووية والعقوبات الاقتصادية طاروا عبر المحيط الأطلسي 69 مرة منذ بدأ السعي للوصول إلى اتفاق نووي نهائي مع ايران في فبراير شباط من العام الماضي. ويقدر أحد أعضاء الوفد أنه طار 400 ألف ميل (644 ألف كيلومتر) أي ما يعادل الدوران حول الأرض 16 مرة. ويعد الحصول على قسط من النوم سواء على الطائرات أو على الارض من التحديات الدائمة. وقد سهر الفريقان الأمريكي والايراني المختصان بالعقوبات يتفاوضان حتى الساعة الثالثة صباحا يوم الجمعة الماضي. وفي اليوم التالي الرابع من يوليو تموز احتفل الفريق الأمريكي بيوم استقلال الولايات المتحدة في فيينا للعام الثاني على التوالي فتناول الهامبورجر في الهواء الطلق على العشاء وكعكة على شكل العلم الأمريكي في فندق كوبورج باليه حيث تجري المحادثات. * "شديدة الوطأة ورهبانية" وقال دبلوماسي من وفد آخر عن السير في قاعات الفندق الذي يرجع للقرن التاسع عشر "إنها شديدة الوطأة ورهبانية". وأبدى آخر حسرته على الساعات الطويلة وصعوبة التوجه لتناول العشاء التي تكاد تصل إلى حد الاستحالة. وقال "سمحوا لي بالدخول وبعد 15 دقيقة كانوا يغلقون المطعم. فيينا تضر نفسها بنفسها بالاغلاق في الحادية عشرة." واختار أحد الوفود أن يقيم بعيدا عن فندق كوبورج هذه المرة. وقال دبلوماسي "أحب الصحفيين لكني لا أريد منهم القفز إلى حوض السباحة لسؤالي عن عدد أجهزة الطرد المركزي." ولسوء الحظ أفرغ الفندق البعيد حوض السباحة من المياه. وتقول كل الروايات إن المحادثات دخلت أصعب مراحلها. وقال دبلوماسيون غربيون إن حوارا متوترا دار بين جون كيري وزير الخارجية الأمريكي ونظيره الايراني محمد جواد ظريف عن العقوبات مساء يوم الاثنين الماضي. بل إن وكالة الانباء الايرانية الرسمية نقلت عن بعض نزلاء الفندق قولهم إنه كان بالامكان سماع صياح الوزيرين كل في الآخر خلال اللقاء المنفرد. * حدائق ولوحات ودموع ويجد كل من الوزراء مهربه الخاص. فبعد أن كسر كيري ساقه في مايو ايار الماضي لم يعد باستطاعته ركوب الدراجة أو السير في شوارع فيينا لكنه أفلت من الجميع ليجلس في إحدى الحدائق وقد خفف رابطة عنقه. أما وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس خبير الفن التشكيلي فتجول في متحف كونست هيستوريش الذي تضم مجموعاته الرئيسية أعمالا من أسرة هابسبرج التي حكمت النمسا ومن بينها أعمال لرمبرانت وفرمير وروبنس. ومساء يوم الاثنين زار ظريف ومفاوضون ايرانيون مركزا إسلاميا في فيينا بعد منتصف الليل لإحياء ذكرى مقتل الإمام علي بالبكاء والصلاة. ولا أحد يعلم متى يعود لبلاده. حين توصلت إيران والقوى العالمية الست وهي بريطانيا والصين وفرنسا والمانيا وروسيا والولايات المتحدة الى اتفاق مؤقت في 23 نوفمبر تشرين الثاني 2013 كان من المفترض أن تكون مدة العمل به ستة أشهر على أن يبرم اتفاق نهائي في غضون عام. ومنذ ذلك الحين تم تمديد المهلة النهائية أربع مرات منها مرتان في الأسبوعين الأخيرين. وكان آخر مد مقبول للمهلة حتى السادسة صباحا غدا الجمعة وهو الموعد الذي ينبغي أن تكون الحكومة الأمريكية قدمت فيه أي اتفاق للكونجرس حتى تتم مراجعته خلال 30 يوما. لكن بعد التمديد الأحدث حتى منتصف ليل الجمعة يبدو أن هذا الهدف لن يتحقق. وسأل نادل في فيينا زادت كمية العمل المكلف بها وكذلك ضغط دمه الصحفيين متى سيغادرون وحين نظروا اليه في دهشة قال "إنها قصة لا تنتهي."