كانت بعض المجلات الثقافية العربية، وهي في الأغلب كانت فصلية تصدر مرة كل ثلاثة شهور، تعطي من ينشر فيها من الشعراء أو القاصّين صك اعتراف به كشاعر أو قاصّ، أي أن النشر في تلك المجلات التي كانت تصدر قبل نحو نصف قرن من الزمان لم يكن سهلاً أو متاحاً إلاّ لمن هو جدير حقاً بالنشر في تلك المنابر القليلة والمتفرّقة على عواصم مراكز الثقافة العربية آنذاك: القاهرة، وبيروت، وبغداد، ودمشق. وإضافة إلى اعتراف المجلة بالكاتب، وبالتالي، إطلاقه إلى فضاءات القرّاء والنقاد والصحافة والثقافة كانت تلك المجلات توزع في شرق الوطن العربي وفي غربه، وكانت تُدار بأسر تحرير أعضاؤها مثقفون ومبدعون كبار كان هاجسهم الرئيسي والأكبر هو الكتابة والانتماء إلى الثقافة والدفاع عن أسئلتها الجوهرية الفكرية بمبادئ أصيلة. مجلات مثل: الآداب وشعر من بيروت، وأقلام من بغداد، وإبداع من القاهرة، والمعرفة أو الآداب الأجنبية من دمشق وغيرها من مجلات ثقافية متخصصة في العمق، ومهنية كانت هي المطبوعات الدورية التي تصنع ملامح الثقافة العربية، والأدب العربي والنقد والفكر والحوار في النصف الأول من القرن العشرين، وحتى نهاية سبعينات ذلك القرن الذي كان يسمى قرن القضايا والمشاريع الوطنية والسياسية والقومية العربية، كما هو قرن التجديد الكبير في الشعر بشكل خاص. أردت القول إن أغلبية، إن لم يكن كل هذه المجلات العريقة، قد توقفت عن الصدور، وبكلمة عادية: ماتت، مع موت ذلك الزمن السياسي والثقافي العتيق. ولكن، ما مناسبة هذه الاستعادة الرثائية لمجلات الثقافة العربية؟ المناسبة أن مجلة واحدة يمكن أن تسمى أم المجلات أو مجلة المجلات هي الهلال المصرية تحتفل بمرور 123 عاماً على صدورها ولم تتوقف عن الصدور منذ عددها الأول الذي صدر في حيّ الفجّالة في القاهرة عام 1892. أسس الهلال جورجي زيدان المولود في عام 1861، أي أنه كان في مطلع الثلاثين من عمره، عندما أسس هذه المجلة التي مرّت على الملك فاروق، وزمن الخديوات، والحربين العالميتين الأولى والثانية وعبدالناصر وأنور السادات، وحسني مبارك إلى زمن الربيع العربي. وما زالت تصدر وتقدم مادة ثقافية ليست غريبة عن روح العصر وروح الثقافة العربية. ليست المشكلة في الورق أو المجلات، المشكلة في الأشخاص، وقليلون جداً في العالم يشبهون جورجي زيدان، أو سلالته الهلالية. yosflooz@gmail.com