من الأخير نبدأ في الأزمة اليونانية بعد اللا العريضة التي قالها الشعب اليوناني لشروط دائنيه من الاتحاد الأوروبي والمصرف المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي. ونخلص إلى ما نعتقد أنه مجموعة من الحقائق المتصلة بما وصلت إليه الأزمة، وباحتمالات نتائجها في المديين القريب والمتوسط. أولاً: الورقة المخفية في التصلب الأوروبي تعاطى الاتحاد الأوروبي بصلف وقسوة غير مسبوقين وبمهانة مع اليونان وحكومتها. رفض إعادة برمجة ديونها إلا بمزيد من الشروط التي قصمت ظهر المواطن اليوناني في خطة الإنقاذ الأولى من 240 مليار يورو اقرت في 2010. علماً أن تخلف اليونان عن سداد 1.6 مليار يورو دفعة من ديون صندوق النقد الدولي استحقت في نهاية يونيو/حزيران 2015، لا يعني أبداً أن ساعة إفلاس اليونان قد أزفت بالفعل، بمقدار ما يعني أن الاتحاد الأوروبي يدفع بهذا البلد إلى مسافة أقرب من إعلان التوقف النهائي وإلى شفا الإفلاس الواقعي. ذلك أن الحكومة اليونانية كانت تعلم أن الاستحقاقات التي تنتظرها في نهاية الصيف بمليارات اليورو، هي أكبر بكثير ولن تتمكن من سدادها. فكان إيثارها عدم سداد الأقل إلا بشروط جديدة اكثر مرونة. والاحتفاظ بما تبقى في خزائنها. الورقة المخفية للتصلب الأوروبي كانت على خلفية رفض تقديم أي تنازلات لحكومة تمثل اليسار الراديكالي. حتى إذا تساهل الاتحاد الأوروبي في هذا الجانب، لقامت قيامة الشارع في كل منطقة اليورو وليس فقط في الدول الدائنة، ولأعطت النقابات العمالية وأحزاب اليسار الأوروبي كل أسباب التحرك ورفض خطط التقشف على حساب الأجور والوظائف وبرامج الرعاية الاجتماعية والصحية. ومثل هذا السيناريو من شأنه توجيه ضربة سياسية إلى أحزاب الحكومات المحافظة في أنحاء القارة. علماً، أن أحزاب اليمين القومي المتطرف، تناهض التقشف . إضافة إلى أحزاب الخضر ومنظمات المجتمع المدني. ثانياً: اختبار الديمقراطية في مقابل الهيمنة والكراهية نتائج استفتاء الأحد الماضي شكلت صدمة قوية لغلاة الاتحاد الأوروبي ولألمانيا بالدرجة الأولى. لم يمض على حزب سيريزا على رأس الحكومة اليونانية سوى شهور ستة بعد فوز موصوف في الانتخابات العامة وعلى أساس رفض برنامج التقشف الأوروبي. لا أحد أرغم رئيس الحكومة على استفتاء الشعب من جديد بين نعم للبرنامج وبين لا. لكن فداحة الاستمرار في الوضع القائم ونتائجه المدمرة اجتماعياً واقتصادياً، أو اتخاذ موقف نهائي بمواجهة الصلف الأوروبي وتبعاته المحتملة دفعت بتسيبراس إلى الوقوف على رأي الشعب مرة ثانية. وحاز نجاحاً مؤزراً ضد البرنامج وبنسبة 61.31 في المئة في مقابل 38.69 في المئة. ما لم يحصل عليه أي من الأحزاب الأوروبية الحاكمة. ما شهدنا من المسؤولين الحكوميين الأوروبيين في الأيام التي سبقت الاستفتاء من ضغوط على ارادة المواطن اليوناني، وتصوير الاستفتاء خلافا للواقع، بأنه على البقاء في منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي كان فظاً وبعيداً عن الديمقراطية. المفردة اليونانية المنشأ والأصل من ديمو (الشعب) وكراتيا (القوة). لم يسبق في التاريخ الأوروبي أن ربط رئيس حكومة استمراره وحزبه في السلطة بعد شهور معدودة فيها بنتائج استفتاء. مع ذلك استقال وزير المال يانيس فاروفاكيس الذي يحظى بكراهية وزير المال الألماني فولفغانغ شوبليه طالما أن استقالتي قد تساعد اليونان في المفاوضات. أضاف لكني فخور بارتداء ثوب الكراهية لدائني بلادي. ثالثاً: الألمان تجاوزوا المعايير وقطفوا ثمار اليورو ألمانيا كانت الدولة الأولى التي تجاوزت 3 في المئة عجزاً مالياً إلى الناتج. وهو معياري في منطقة اليورو. ولم تعاقب بغرامات رغم نصوص صريحة في اتفاق ماستريخت. كان ذلك في 2002 2003. فرنسا وإيطاليا أيضاً. ألمانيا أيضاً رأس الحربة في الصلف الأوروبي ضد اليونان، هي التي أفادت من اليورو. غيرها كان الضحية. العملة الموحدة تختصر الكثير من العقبات وحلقات الروتين المتعلقة بالتجارة والاستثمار والتحويلات. والشرط هنا الماكينة الجاهزة لمحركات الاقتصاد والتصدير والتنافسية ما انطبق على ألمانيا وقت انطلاق اليورو، فتكرست ألمانيا مع بداية الألفية الجديدة الدولة المصدرة الأولى في العالم بامتياز. تأثرت بأزمة 2008 العالمية. أخلت مركزها التصديري الأول للصين لعلة في قوة الثانية. لكنها عادت في 2014 لتحقق فائضاً تجارياً بواقع 274 مليار دولار أمريكي وتسترد المركز الأول من الصين. ضعف اليورو أسهم على نحو رئيسي في الفائض التجاري. اليونان وراء ضعف اليورو. دين المانيا لليونان 54 مليار يورو فقط من اصل نحو 323 مليارا. رابعاً: تحاذق زعماء اليورو والاتحاد الأوروبي بإخراج المصارف من معظم ديونها إلى اليونان بالبرنامج الطارئ للمصرف المركزي الأوروبي. بأمل ضربها بلا رحمة ما لم ترضخ للتأديب والمهانة. بقيت المصارف الألمانية مدينة بواقع 13.2 مليار يورو. والمصارف الأمريكية 12.3 مليار. والبريطانية 12.2 مليار. و الهولندية 1.67 مليار والفرنسية 1.6 مليار يورو. والمبالغ قابلة للتسوية بسهولة وتتوزع على مجموعة مصارف في كل بلد. أما ديون الدول الأوروبية فتسوى من ضمن موازناتها على سنوات. خامساً: نكتب 24 ساعة قبل القمة الأوروبية في بروكسل. نستبق نتائجها إلى القول إن زعماء أوروبا يخطئون لو استخفوا بخروج اليونان من اليورو. الامر يتجاوز كون اقتصاد الأخيرة أقل من 3 في المئة من اقتصاد اليورو ونحو 0.3 في المئة من الاقتصاد العالمي. ستواجه اليونان مشكلات اقتصادية واجتماعية وسياسية خطرة جداً لو أُخرجت قسراً من المنطقة قبل أن تعود إلى الدراخما العملة الورقية الأقدم في التاريخ. وستمتد التداعيات إلى البيت الأوروبي. لزعماء اليورو: ابحثوا عن الخلل في بنية الاتحاد النقدي. وقد بات معلوماً للجميع.