×
محافظة المنطقة الشرقية

خط جوي اردني بين تبوك وعمان

صورة الخبر

لم يكن أحد في مجتمعنا الريفي قبل ثلاثة أرباع قرن يصدق أنه يمكن أن ينتقل الصوت عبر القارات، وبدأ الراديو حينذاك كائنا عجيباً يأتي بالأخبار من أبعد البقاع وهو ثابت في مكانه. ثم تطور البث الإذاعي بتقديم قراءات من آيات الذكر الحكيم بأصوات مقرئين لم تألف جودة قراءاتهم وترتيلهم وجمال أصواتهم وما يكتسبه المستمع لهم من الخشوع والطمأنينة.. ثم تسرب إلينا إلى جانب الصوت العجيب المبهر الصورة الواضحة بألوانها وحركاتها. وكأن الصور لعالم يقع في الغرفة المجاورة بينما في الواقع أنه يقع على بعد آلاف الأميال من المكان الذي تلازمه وأنت مع ذلك تتابع وتتفاعل مع الحدث الذي يجري أمامك وتنسجم مع القصة أو الأغنية أو الموعظة والتلاوة، تفاعلاً يفقدك الإحساس بمن حولك أطلقوا على هذا الجهاز في البداية اسم (المرناه) ثم عربوا اسمه إلى (التلفاز) وشاع اقتناؤه في البداية من قبل بعض الموسرين. وأصحاب المقاهي الذين يرغبون في جلب المزيد من الزبائن. وأخذ يتكاثر في الأسواق حتى غدا سلعة استهلاكية تدخل كل بيت وتعرض في كل مكان حتى سوق الخردوات (الحاجات المهملة) إلا أن التطور التكنولوجي وثورة الاتصالات لم تقفا بنا إلى هذا الحد. فبعد أن كنا نتصور أن وجود محطة فضائية يتطلب الكثير من الخبرات والأموال بحيث يكون هذا المرفق من ضمن مشاريع الحكومات فقط، فإذا هو بعد سنوات قليلة يتبدل وتصبح القنوات الفضائية على قارعة الطريق مبذولة لكل من أراد الكسب وحيازة الأموال من جيوب الآخرين ولم تفت بعض الأذكياء من أبناء القبائل هذه المكاسب فقرروا أن يكون لهم نصيب وافر بأقل مجهود يتمحور في تأسيس قناة فضائية يطلق عليها اسم القبيلة، وفي سبيل تحقيق هذا يسعى لدى الشيوخ (شيخ القبيلة) للحصول على الدعم المادي لإنشاء قناة فضائية تحمل اسم القبيلة. وهذا ولا شك مشروع جبار لو أحسن استغلاله من النواحي الثقافية والاجتماعية والاقتصادية لكسر العزلة التي تمارسها القبائل البدوية في صحرائنا الواسعة المساحة لتخرج من عزلتها وتشارك مشاركة فعالة في التنمية التي تشهدها البلاد، والتي يمكن أن تكون منطلقاً للإنتاج وتنمية الثروة الطبيعية والإيداع في الفنون البدوية – إلا أن هذه الفضائيات مع الأسف لم تسلك هذه المسالك المفيدة، وإنما اقتصرت برامجها على ترديد أشعار نبطية من موروثات القرون الخالية وغالبيتها تحث على الحرب والغزو ورقصات يؤديها الرجال أكثر ما يبرز فيها الكروش المنتفخة والارداف المتورمة، تظل تلك الأهازيج والحركات تتكرر على مدى أربع وعشرين ساعة في اليوم. وكان الأولى إذا أراد أبناء البادية أن يشاركوا في ثورة الإعلام أن يقدموا الصفحات المشرفة من حياة البادية كالكرم والنجدة والكرامة والعفة. وأن يتغنوا بأشعار الغزل العفيف (العذري) من قيس بن الملوح وقيس بن ذريح وكثير عزة وغيرهم من الشعراء الذين سطرت أقوالهم في صفحات الإبداع ولا تزال تتناقل من جيل إلى جيل ومن قطر إلى قطر، دون أن ينساها الرواة أو يهملها التاريخ. أما الوضع الحالي فإنه لن يتيح سوى إثارة النعرات بين القبائل وإضاعة المال والوقت فيما لا طائل وراءه.