×
محافظة جازان

رياضي / محافظ الدرب يتوج الفائزين ببطولة الدرب الرمضانية

صورة الخبر

الحديث عن إعلام النظام السوري ورقابته، يمكن أن يكون موضوعاً لــ «الآثار» كما هو موضوع للفكاهة، فرقابته أمام الحدث السوري «البركان» تشبه تماماً محاولة إغلاق البحار في الكرة الأرضية بفلينة. عندما بدأت الاحتجاجات السورية في منتصف آذار (مارس) 2011، أتت التعليمات من القصر الجمهوري، بعضها شفوي وبعضها مكتوب، وبعضها يلقّن من خلال اجتماعات في القصر يُطلب فيها من رؤساء التحرير والمديرين منع استخدام كلمتي «الحرية» و «الثورة» في كل وسائل الإعلام، وكان محررو تلك الصحف هم آخر من يعلم بذلك. في غمرة التظاهرات الأولى، تمكّن الأخوان ملص من إنجاز مسرحية «في البدء كانت الثورة»، ضمن مسرح الغرفة التي لجأوا إليها كخيار فني، بعدما أغلقت مسارح وزارة الثقافة خشباتها القليلة أصلاً في وجهيهما. ذهبتُ «كمحرر ثقافي»، كنت وقتها أعمل في جريدة «تشرين»، وحضرت العرض الذي حضره أيضاً الممثل نضال سيجري، والصحافي إياد شربجي، وعدد من المتابعين للمسرح السوري، وعنوانه كما قلت «في البدء كانت الثورة». ولكن كيف سنمرّر مقالة نقدية عن عرض فيه كلمة «ثورة»، ويتناول الثورة السورية الطازجة كالدم الذي دفعه أبناؤها؟ كان لا بدّ من اللجوء إلى التورية والمداورة، فأغفلتُ كلمة «الثورة» من عنوان المقال الرئيس، وكتبت عن العرض ضمن «الهامش» المتاح، ونشرتُ المقال في الصفحة الثقافية بعدما استخدمت كل حيل اللغة العربية المعروفة. طبعاً، ممنوع في إعلام النظام توجيه أي نقد الى الرئيس والقصر الجمهوري والأجهزة الأمنية والجيش، بينما المديح مسموح وبلا حدود. ومع استمرار الثورة، تطاولت الرقابة على أي تفصيل متعلّق بالمناطق الثائرة. حتى أن ذكر خبر أثري يقع ضمن منطقة سورية ثائرة كان ممنوعاً، وكان ممنوعاً أيضاً تداول جملة «الثورة السورية»، وأي تعاطف شفوي مع الثوار والشهداء. وكثرت التعليمات الآتية من القصر، نحو وزير الإعلام ومنه إلى رؤساء التحرير ومديري المؤسسات الإعلامية، فأي خبر درامي عن مسلسل سوري يمكن أن يكون قد صوّر وعرض قبل الثورة، ويتضمن أسماء ممثلين أو كتاب أو مخرجين انضموا الى الثورة لاحقاً، وتنوي قناة «سورية دراما» عرضه، ممنوع. وكذلك عرض أسماء الممثلين المعارضين فيه. فأسماء مثل كندة علوش، جمال سليمان، هيثم حقي، عبدالحكيم قطيفان، يارا صبري، مي سكاف وغيرهم، صار ذكرها يقع في دائرة الممنوع أيضاً. في تلفزيون النظام وملحقاته، صاروا يعيدون مشاهدة المسلسل ومن ثم حذف اسم أي معارض من شارة العمل، بينما صارت الصحف والقنوات تفرد لسلاف فواخرجي وزهير رمضان وبشار اسماعيل ولكل ممثل موالٍ، الصور وساعات البثّ. وطبعاً، ممنوع بالمطلق ذكر أي خبر عن الشهداء الذين يقتلهم النظام، فالشهداء قتلهم بدايةً «المندسون» وفق رواية الاستخبارات السورية، ولاحقاً، صار كل متعاطف مع الثورة إرهابياً وبيئة حاضنة يستحقّ القتل. وتخشّبت الرقابة أكثر وأكثر. أيضاً، مرت مرحلة عُمّم فيها منع استخدام كلمة «دولار» في المقالات والأخبار والزوايا الاقتصادية، وطلب رسمياً من مديري المؤسسات الإعلامية تخفيف الحديث عن الغلاء العام. وما زالت عمليات المنع الرقابي مستمرة، وفي أشكال متعددة قد لا يصدقها عاقل، فبعد أن سيطرت المعارضة السورية على إدلب ولاحقاً جسر الشغور، طُلب من مديري المؤسسات الإعلامية التركيز التام على المواد الوطنية، وغاية النظام هي رفع معنويات مواليه وعناصره. ومنعت أي مادة نقدية عن برامج التلفزيون، مع أنها في الأصل محدودة. وانهمرت الزوايا والمقالات والأعمدة واللقاءات التلفزيونية لرفع المعنويات، وما زال هذا التعميم ساري المفعول حتى هذه اللحظة. إذاً، المطلوب من وسائل إعلام النظام أن تتابع عملها في غسل أدمغة الناس، لتواكب مسيرة جيش النظام واستخباراته وهي تقتل وتهجر وتسرق، وجملة «الإعلامي جندي في المعركة» هي الآن الأكثر حضوراً في حياة إعلام النظام. رقابة الإعلام تفتح الباب لكل نُواح ممكن أمام قذيفة سقطت على دمشق، وطبعاً «هذا خبر»، ولكنها تمنع أي خبر عن الضحايا المدنيين الذين يستمر النظام بقتلهم، وتكرس مفردة «إرهابيين» عند جمهورها من الموالين، على كل الضحايا الذين تقتلهم آلة القتل الأسدية. عندما هتفت حناجر السوريين الثائرين في الأشهر الأولى وقالت «الإعلام السوري كاذب»، لم تكن تتوقع أن هذا الإعلام مشى من طريق الكذب نحو الإجرام الإعلامي، ليغدو آلة قتل رديفة لآلة القتل العسكرية والأمنية. وصار الموالون أنفسهم لا يصدّقونه، لا سيما في السنة الأخيرة هذه. قال لي صحافي مؤيد للنظام ذات مرة : «أنا أتابع «الأورينت» حتى أعرف ما يحصل». من المؤكد أن آخر هموم وزير إعلام النظام هو عدد الصحف التي توزع أو عدد من يشاهدون التلفزيون، وقد أكد لي رئيس تحرير سابق أن جريدة «تشرين» توزع 10000 نسخة فقط في البلاد. ويبدو أن هذا الإعلام يسير إلى الوراء في شكل متزايد، وقد لا يبقى عند هذه الصحف قراء على الإطلاق. وهذا يذكّر بحادثة من تاريخ الصحافة العالمية فحواها: «أسّس الكاتب الإنكليزي ه. ج. ويلز جريدة مع صديقه هنلي، لكن تلك الجريدة لم تصادف رواجاً، ولم يزد المشتركون فيها عن قارئ واحد. وذات يوم، كان ويلز وصديقه يطلان من نافذة مكتبهما بالجريدة، فرأيا موكب جنازة يمرّ بالطريق، فقال ويلز: أرجو يا صديقي ألا تكون هذه جنازة صديقنا اليتيم».