تحولت الصحف والقنوات التلفزيونية في مصرمؤخرا إلى "لسان" يدافع عن السلطة فارضة رقابة ذاتية قلصت من مساحة حرية الإعلام، فيما تضيق السلطات على المعارضة أثناء خوضها "حربا على الارهاب" ضد ما تقول إنهم مسلحين متشددين. ويخشى خبراء من أن يؤدي سلوك الإعلام المصري الخاص والرسمي إلى اختفاء الأصوات المعارضة والمنتقدة للسلطة، خصوصا مع تأييد القنوات التلفزيونية إطاحة الجيش بقيادة الرئيس الحالي وقائده السابق عبد الفتاح السيسيبالرئيس محمد مرسي ثم أيدت قمع أنصاره. ومع توالي الهجمات على الجيش والشرطة في سيناء -ومعظمها تتبناه جماعة أنصار بيت المقدس- أصبح لا صوت في الإعلام يعلو فوق صوت "الحرب على الإرهاب" وهو الشعار الذي ترفعه الحكومة في حربها المسلحين. اختفاء الأصوات المعارضة ومع الوقت أصبح الخبراء الأمنيون والعسكريون والمسؤولون التنفيذيون يحتلون مساحات كبيرة من البرامج التلفزيونية السياسية المسائية للحديث عن الشأن العام في مصر، وهي أصوات تؤيد السلطة بشكل مطلق. واختفى ظهور النشطاء الشباب الذين عادة ما يوجهون انتقادات للسلطة، وسط حملات إعلامية تستهدف الشباب والإعلاميين الداعمين للثورةالتي أطاحت الرئيس الأسبق حسني مبارك في العام 2011 وتتهمهم بأنهم "عملاء ومأجورون". وتقول أستاذة الإعلام بالجامعة الأميركية في القاهرةرشا عبد اللهإن "هناك محاولة لمنع أي أصوات تغرد خارج سرب تأييد السلطة، والأمر يشمل الليبراليين قبل الإسلاميين"، مشيرة إلى أن الإعلام صار وكأنه "يردد نغمة واحدة". وفي أعقاب اعتداء دام في سيناء أوقع 31 قتيلا في صفوف الجيش نهاية الشهر الماضي، سارع رؤساء تحرير الصحف الحكومية والخاصة إلى إصدار بيان يتعهدون فيه بـ"دعم إجراءات الدولة ضد الإرهاب"، كما أعلنوا "رفضهم التشكيك في مؤسسات الدولة أو التطاول على الجيش أو الشرطة أو القضاء بما ينعكس بالسلب على أداء هذه المؤسسات". برنامج باسم يوسف الساخر أوقف بعد تقديمه فقرة تتضمن انتقادا غير مباشر للسيسي (الجزيرة) ولكن قرابة خمسمائة صحفي احتجوا على ذلك بإصدار بيان اعتبروا فيه أن رؤساء التحرير يدعون عمليا إلى العودة إلى ما سموه "عصور الاستبداد والقمع وسيادة الرأي الواحد". وتعرب عبد الله عن اعتقادها بأن "الاستماع لرسالة واحدة طوال الوقت يقلل من فرص الوصول لحلول للمشاكل الحقيقية للبلاد، كما أن عدم السماح للآراء المعارضة سيعزز أكثر من اللجوء للعنف". وفي المشهد الإعلامي المصري اختفى شيئا فشيئا مذيعون ومقدمو برامج تميزوا بالحس النقدي وأبرزهم المذيعان باسم يوسف ويسري فودة. وأوقفت قناة "إم بي سي" برنامج باسم يوسف الساخر "البرنامج" الذي كان يتمتع بجماهيرية واسعة قبل أيام من انتخاب السيسي رئيسا في يونيو/حزيران الماضي بعد تقديمه فقرة تضمنت انتقادا غير مباشر للسيسي. والتزم باسم يوسف الحذر حين سئل عن أسباب وقف برنامجه، لكن حديثه يعكس قلقا واضحا لدى الإعلاميين غير الموالين للسلطة. وقال يوسف لوكالة الصحافة الفرنسية بأسلوبه الساخر المعتاد "الناس يقبض عليها يمين وشمال (في أماكن كثيرة) وهناك اتهامات بالعمالة والتمويل الأجنبي ومنع السفر وأنت تسألني عن أسباب وقف البرنامج"، في إشارة منه إلى قمع المعارضة في مصر. وأشار يوسف في حديثه إلى أن "استخدام مبررات واهية لتبرير إيقاف البرنامج مثل تلقيه أموالا تعتبر إنكارا للواقع الحالي في الإعلام المصري". أما المذيع يسري فودة -الذي كان برنامجه "آخر كلام" مفتوحا للناشطين المعارضين- فأعلن الشهر الماضي انتهاء تعاقده مع قناة "أون تي في" الخاصة وتوقف برنامجه من دون أن يكشف الأسباب. تقييد عمل الصحافة وملاحقة الصحفيين أثار احتجاجات من الناشطين بمصر (الجزيرة) الرقابة الذاتية وقال معدون في قنوات خاصة لفرانس برس إن إدارات قنوات عدة طلبت من البرامج التلفزيونية التقليل من حدة انتقاد الحكومة وإثارة ملف الحريات، ولم يسلم مقدمو البرامج المؤيدون للسلطة الحالية كذلك من التضييق. ونهاية الشهر الماضي انقطع البث بشكل مفاجئ وغير معتاد عن برنامج في قناة "دريم2" الخاصة أثناء عرضه مقطع فيديو ينتقد وزارتي الإسكان والصحة، وأشار مقدم البرنامج وائل الأبراشي إلى أن "إدارة القناة منعتنا من استكمال الحلقة بسبب إصرارنا على عرض الفيديو". وقال الأبراشي -وهو من أشد معارضي الاخوان المسلمين ومؤيدي السيسي- لوكالة الصحافة الفرنسية "بدأت أشعر أنه توجه حكومي، البعض لم يعد يتحمل الانتقاد ولو من داخل معسكر 30 (حزيران) يونيو" الذي أيد إطاحة الجيش بمرسي. ويولي السيسي اهتماما جليا بدور الإعلام، لكنه يعتقد أن الإعلاميين لا يدعمونه بالقدر الكافي، وقال في اجتماع مع كبار الصحفيين قبيل توليه الحكم "لو (كان) عندك معلومة أو موضوع اهمس به في أذن المسؤول بدلا من طرحه على الملأ". وأغلقت مصر نحو ست قنوات فضائية إسلامية فور إطاحة مرسي في يوليو/تموز 2013. من جهته نفى المتحدث باسم رئاسة الجمهورية علاء يوسف "أي تدخل للدولة فيما تكتبه الصحف، قائلا إنه"لا يوجد أي قرار بوقف برامج أو صحف أو صحافيين". وقال يوسف لوكالة الصحافة الفرنسية إن "الصحف مليئة بالانتقادات الموجهة للرئيس والحكومة، نحن نؤمن بحرية الراي والتعبير". غير أن معدي برامج في التلفزيون الحكومي أكدوا لوكالة الصحافة الفرنسية أن هناك قائمة بأسماء ثلاثين ضيفا فقط مسموح باستضافتهم في البرامج السياسية التي تناقش الشأن المصري. ويقول بلال فضل -أحد أبرز الكتاب المعارضين- إن "وضع الإعلام الحالي مؤسف وخطير على مستقبل مصر"، ولكنه يعكس تأييد الشارع الكبير للسيسي، حسب قوله. ويضيف فضل -الذي لم يتلق أي عروض للكتابة في الصحف المصرية أخيرا- أن "الأخطر (من أي ضغوط) هي الرقابة الذاتية التي يمارسها رؤساء تحرير الصحف ورؤساء القنوات الفضائية على أنفسهم".