بدأ الحديث عن أهمية الترجمة والمترجمين يأخذ حيزًا لا باس به من نقاشات المهتمين بهذا المجال سواء من ممارسي الترجمة أو الجهات التي تستعين بهم، وسأخص بالذكر هنا النظام القضائي ابتداءً من التحقيقات الأولية مع المتهم ومرورًا بجلسات المحاكمة و وصولاً لصدور الحكم. ليكون الحديث أكثر تركيزًا فسأحصر الموضوع في النظام القضائي في المملكة العربية السعودية. كلنا يعلم أن حوالي الستة ملايين من سكان المملكة هم من الوافدين الذي لا يتحدث جلهم اللغة العربية، وبطبيعة الحال يجري عليهم ما يجري على غيرهم من تطبيق القوانين في حالة ارتكاب المخالفات. كيف يتم التخاطب معهم؟ ما مدى أهمية توفير مترجمين مؤهلين؟ هل يكفي أن يضطلع بمهمة الترجمة أحد الأقارب أو الجيران أو الأصدقاء ممن يحملون نفس الجنسية و يتحدثون العربية بشكل مقبول؟ ما دفعني لكتابة هذا المقال هو إعلان وزارة العدل بشكل مستمر عن الحاجة لمترجمين للعديد من اللغات للتعاقد معهم على بند الأجور وهي بلا شك خطوة جيدة تدل على وعي مسؤولي الوزارة بأهمية وجود المترجمين رغم تحفظي الشديد على الراتب الشهري المقدم أو آلية التأكد من كفاءة هؤلاء المترجمين. والذنب هنا ليس ذنب وزارة العدل، فالحاجة لوجود تنظيم لمزاولة مهنة الترجمة في بلادنا بات حديث مجالس المترجمين ولا تخلو نقاشاتهم على شبكات التواصل الاجتماعي من التطرق له. ولن أتناوله في هذه المقالة فالحديث فيه ذو شجون. في بعض دول العالم الأول -كما يسمى- لا يقبل القاضي أن يقوم بالترجمة للمتهم أحد أقاربه أو أصدقائه لمجرد كونه يتحدث اللغتين إلا بعد التأكد من قدرته على الترجمة بما يكفل حقوق المتهم انطلاقًا من قانون حقوق الإنسان الذي ينص على وجوب توفير مترجم ذو كفاءة للمتهم غير القادر على التحدث بلغة البلد، ذلك أنه من حق المتهم أن يكون ممثلا بالشكل الملائم خلال كل مراحل المحاكمة أو التحقيقات وأن يبقى على اطلاع بكل ما يجري داخل قاعة المحكمة تمامًا كما لو كان يتحدث تلك اللغة. وفي دول أخرى تم استحداث برامج دبلوم متخصصة لتأهيل مترجمي المحاكم والترخيص لهم إيمانًا بأهمية ذلك تمامًا كأهمية وجود القاضي الكفؤ والمحامي المؤهل، كما يتأكد القاضي عند ابتداء الجلسة من هوية المتهم وحيثيات القضية يقوم كذلك بالتأكد من كفاءة المترجم عبر طلب ابرازه لترخيص مزاولة الترجمة القانونية في المحاكم. ربما في مقالة أخرى سأبرز الصفات والمهارات التي يجب أن يمتلكها مترجم المحكمة علاوة على تلك المطلوبة لغيره من المترجمين وهي السبب في استحداث دبلوم خاص لمترجمي المحاكم.