يحاول الاتحاد الأوروبي الخروج من مطب أزمة اليونان من دون تأثيرات خطيرة. فقد أصبح الكثير من الأوروبيين مقتنعين بأن الاستفتاء الذي سيجرى غداً الأحد بدعوة من رئيس الوزراء اليوناني أليكسس تسيبراس قد يسدد ضربة قاسية إلى الاتحاد إذا صوت اليونانيون ب لا رفضاً لشروط الدائنين الدوليين مقابل استمرار برنامج الإنقاذ المالي. ظاهر الأزمة وعمقها اقتصادي، فهي بدأت منذ سنوات مع التراجع الحاد للاقتصاد اليوناني حتى بلغ حافة الانهيار، وكانت الخلافات بين أثينا والدائنين تتعلق بالخلافات حول الإصلاحات والسداد. أما في الوقت الحالي فقد أصبحت الأزمة فضاء لصدام سياسي بين حكومة من اليسار الراديكالي والقوى اليمينية الدائنة في أوروبا والولايات المتحدة حيث صندوق النقد الدولي. ولهذا السبب بدأت العلاقة تأخذ شكل معركة سياسية حامية حول البقاء داخل منطقة اليورو أو مغادرتها. وتأمل القوى الأوروبية في تصويت اليونانيين بنعم لإضعاف حكومة تسيبراس وإسقاطها وهو أمل تنتظره المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وكذلك رئيس المفوضية الأوروبية جون كلود يونكر للتخلص من تسيبراس الذي اقتنع بأنه يتعرض لحملة تشويه تقودها برلين ومعها معظم العواصم الأوروبية الكبرى. وكرد فعل على ذلك تشن الدعاية الحكومية حملة مضادة، ويراهن وزراء في حكومة أثينا على التاريخ المقاوم لليونانيين، وبلغ الأمر بأحدهم إلى التأكيد عبر التلفزيون لقد قاومنا الإيطاليين والنازيين، وسنستمر في مقاومة من يريد إهانة كرامة اليونان. ولكن تسيبراس يحاول أن يكون موضوعياً حيال الاستفتاء، وبنظره سيكون الإغريق كما كانوا، صبيحة ظهور النتائج، وسيكون هناك أوكسجين للتنفس. ويعرف تسيبراس أن تصويت اليونانيين ب نعم لشروط الدائنين يعني رفضهم لحزبه وسياسته، ما سيدفعه في النهاية إلى التنحي والتوجه إلى انتخابات جديدة قد تحمل معارضيه إلى السلطة. أغلب استطلاعات الرأي تشير إلى تفوق نعم، وهناك شبه مسلمات بأن القوى الأوروبية تمارس ضغوطاً وإغراءات لكسب أصوات اليوناييين لصالح بقاء بلدهم في منطقة اليورو. وخلف تمالك الأعصاب الذي يبديه زعماء ألمانيا وفرنسا وبريطانيا على الخصوص، هناك خشية كبيرة من مفاجأة محتملة إذا رفض اليونانيون شروط الإصلاحات. فنتيجة مفترضة في هذا السياق تعني خروج اليونان من منطقة اليورو وتعني أيضاً تصدع البيت الأوروبي. ولذلك فإن المعادلة العميقة تؤكد أن مستقبل أوروبا في أيدي اليونان مثلما عبرت عن ذلك مجلة إيكونوميست البريطانية ووضعت على غلافها صورة تمثال رامي القرص الإغريقي الشهير وهو يرمي عملة اليورو في دلالة خطيرة على التداعيات المحتملة لاستفتاء اليونانيين. باحثون في العلاقات الأوروبية يؤكدون أن الانقسام الحاد الذي تشهده دول الاتحاد حيال المستقبل المشترك أكبر تهديد فعلي لهذا الكيان. ووصول اليونانيين اليوم إلى الاستفتاء بهذا الشأن هو سابقة ستكرر في أكثر من بلد أوروبي سواء ضمن خيار شعبي أو مناورة سياسية لحكومة من الحكومات، لاسيما أن هناك طابوراً من دول أوروبية تعاني أزمات اقتصادية وغيرها وقد تضطر إلى الاستفتاء لفك الارتباط بالاتحاد الأوروبي وعملته والتزاماته. chouaibmeftah@gmail.com