الشباب في وطني هم مصدر ثروته وأساس نهضته إن كانوا أبناءً فهم منتجون وإن كانوا آباء فهم مستهلكون، جيل بعد جيل بعضه من بعض يتصل بعمق الانتماء وصدق العطاء ويزداد شموخه كلما كان الجيل مدعوماً بالخبرة ومصقولاً بالحكمة، وإذا كان الأبناء امتداداً للآباء فإن الحاضر مرهون بالماضي، وجيل هذا اليوم هو جيل عهد الانفتاح والاتصالات وجيل عهد شبكات التواصل والتقنيات، ولذلك فهو في أعلى مقام وقد لا يُلام إذا وقف حائراً بين حاضر لم يحُز على رضاه ومستقبل مازال يخشاه وهو يفكر في البحث عن إجابات لأسئلته المقلقة، إذ كيف تكون لديه بطالة وهناك أكثر من مليون عامل أجنبي متناثرين بين الجامعات والمستشفيات؟ مسكين هذا الجيل إذا تخرج في الثانوية كتمة القياس بشفط الرسوم والقدرات بوأد الحماس، والتخصصات التي يرغبها مغلقة، وإذا تم الإعلان عن وظائف فهي محجوزة وكل مسؤول لدينا يتشبث بالتمديد ويسعى للتجديد، ويبقى السؤال الحاضر على لسانه أعطني ابن مسؤول عاطل! مسكين هذا الجيل/ إذا فكر في الزواج وهو من أقدس حقوقه وجد أمامه كماً كبيراً من العادات والتقاليد المكلفة التي ما أنزل الله بها من سلطان، وإن أراد البحث عن قطعة أرض صغيرة لسكنه احتاج لعشرات السنين ثم ينتظر بنك التنمية العقاري بقية عمره وهو يعلم أن مساحة بلاده تفوق مساحة دول الخليج مجتمعة! مسكين هذا الجيل/ يسمع عن مشكلات الصحة في كثير من مخرجاتها وهو أساساً يتذمر من مباني مراكز رعايتها التي تحتاج إلى فحص وأجهزتها التي تحتاج إلى علاج، ويرى من مهازل المشاريع المجسمات الجمالية لأي مشروع وهي تقدم في غاية الروعة والإتقان وتختلف بعد التنفيذ جملة وتفصيلاً، ويتعجب أكثر وهو يقرأ أنواعاً من الخلافات والاتهامات بين صفوة الصفوة من أهل الفكر في النوادي الأدبية أو أهل المال والثورة في الغرف التجارية، وهب معهم أهل الرياضة والرياضيون الذين بلا روح رياضية عندما يمارسون التقية ويتأبطون التعصب بمختلف ألوانه وأشكاله. مسكين هذا الجيل/ وهو يرى نظام التعليم الذي يمارسه يعاني من هزات متتالية عجز من إحصائها مقياس رختر حتى أصبحت الوزارة تفاجئ أصحاب ذلك القطاع في مطلع كل عام دراسي بتغيرات وقرارات معظمها من عيار الوزن الثقيل حتى «رحنا من طيها في غميقها» كما يقول المثل. مسكين هذا الجيل/ البيت الذي نشأ فيه لم يسلم من الحرمان العاطفي والإهمال الأسري، فالآباء سهر في الاستراحات وإدمان أمام الشاشات وانشغال بالشبكات، وكذلك الأبناء الذين يُخشى عليهم من الانحراف فهم كالأيتام عندما يكون الأب وكأنه وزير للمالية ليس إلا. مسكين هذا الجيل/ السيارة عنده من أغلى أمانيه ويهدر عليها معظم مكافآته وهي تصنع اليوم بالريموت كنترول ولكنها تصل إليه بسعر مرتفع على الرغم من أن شركاتها تعاني من أزمات اقتصادية وتقدم إغراءات حقيقية وتخفيضات خيالية وتبقى الحكومات تدعمها حتى لا تعلن إفلاسها فيتأثر اقتصادها. مسكين هذا الجيل/ حوله الخير كثير والخلل كبير ويظل يفكر في أنه هل يستطيع أن يحقق حلم الوظيفة؟ وكيف ومتى يصل إلى تملك المنزل والزوجة والسيارة؟ صحيح أن بلادنا قبل عقود كانت صحراء يسودها الفقر وتفتك بها الأوبئة، ولكنها اليوم في عهد خادم الحرمين -حفظه الله ورعاه- من أكثر الدول تطوراً ومن أكثر الدول تحضراً وحققت نجاحات غالية وقفزات عالية في مجال التوازنات الإقليمية والعالمية. ولعل الإجراءات الأخيرة التي أمر بها خادم الحرمين أسعدت هذا الجيل، وهي إجراءات مفصلية تهم الوطن مهما كلف الثمن، منها إنشاء وزارة للإسكان تسهم في حل الأزمة الإسكانية والحد من ارتفاع العقارات، والأمر الآخر ما قامت به وزارة العمل في تنفيذ ما يتعلق بتصحيح أوضاع العمالة المخالفة علَّها تسهم هي الأخرى في إعطاء المجال للمؤسسات الجديدة في الدخول إلى السوق وتهدي لهذا الجيل فرصة تجربة هذه المجالات الخدمية المهمة التي تلامس تطلعاتهم، وحينها لن ينسوا خادم الحرمين من دعائهم.