تذهب "مليشيا الثقافة"، وهي مجموعة من شعراء محافظة بابل العراقية، إلى أماكن لا تخطر على بال أحد لقراءة قصائدها، محاولة خلق نوع جديد في إلقاء الشعر،إذ تعتبر أن "الخراب هو جمهورها". ويلطخ هؤلاء الشعراء وجوههم وأجسادهم بالطين، ويُعرون نصف أجسادهم تحت الشمس الحارقة في مواقع قد تعرضهم للأمراض أو الموت، غير أنهم يجدون أن ما يفعلونه هو احتجاج ليس على ما يحدث في العراق من دمار وقتل وفساد فحسب، بلهو صرخة أمام العالم أجمع. ويعلق مازن المعموري، وهو الشاعر الأكبر سنا في المجموعة، على أن تسمية "مليشيا الثقافة" جاءت "لتشكل خطابا ثقافيا يحاول أن يقدم محاولة لتخطي القيم القديمة لأنساق الثقافة الأخلاقية البائدة". ويصف العموري في حديث للجزيرة نت الثقافة القديمة بأنها "صنعت لنا شاعرا مؤسساتيا لا يستطيع سوى أن يكون ذيلا للسلطة". الشاعر مازن المعموري يقرأ قصائده وهو ملطخ بالطين(الجزيرة) تحرير الإرادة ويضيف المعموري أن "مليشيا الثقافة تعمل على تأليف مجابهة مع صورة الشاعر السلبية تجاه مجتمعه من أجل أن يكون قوة فاعلة لتحرير الإرادة الحرة من سجونها". ويتابع المعموري "نحن نريد تدمير صورة الانحطاط التي يعاني منها مجتمعنا الكسول والخامل"، مؤكدا أن "هذا الأمر لا يتحقق من دون قوة تتماهى مع طبيعة القوى الفاعلة في الشارع العراقي وبذات الآليات، ولكن بصيغتها الأدائية والثقافية والتنويرية". وتذهب "مليشيا الثقافة" إلى أماكن لا يوجد فيها متلقون للشعر، وغالبا ما تكون هذه الأماكن خربة وخطرة، مثل حقول الألغام والمقابر وسيارات الإسعاف وفي مكب الآليات العسكرية. ويوضح الشاعر كاظم خنجر في حديث للجزيرة نت أن "كل زمن له طريقة في التعبير، وبما أننا في بيئة مأزومة تمر بأبشع أنواع القتل والخراب وجب علينا تشكيل طريقتنا التي تقوم على إعادة خلق الحالة الدموية عبر استعمال الشعر في إعادة الخلق هذه". الشاعر كاظم خنجر يلقي قصائده داخل سيارة محطمة(الجزيرة) ويتساءل خنجر "من هو الجمهور؟"، ويرد سريعا "في هذه البيئة الخراب، الجمهور لم يعد معادلا ذوقيا للعمل الفني". ويشدد خنجر على أن "الجمهور هنا ميت أيضا وبالتالي ما فائدة حضوره، وفي الغالب أعمالنا تقوم على التحدي والخطر، وهذا يمثل خطرا علينا بالدرجة الأولى وعلى الجمهور بالدرجة الثانية لو كان حاضرا، ونحن لا نود مقاسمة هذه الخطورة مع أحدهم". مفاعل تموز لكن التجربة الأخطر لهؤلاء الشعراء هي توجههم لقراءة الشعر إلى جانب موقع مفاعل تموز النووي الذي قصفته إسرائيل عام 1981، وتعد منطقة المفاعل ملوثة بالمواد المشعة، وهو الأمر الذي قد يعرّض الشعراء إلى خطورة إصابتهم بأمراض سرطانية. لكن الشاعر أحمد ضياء يقول في حديث للجزيرة نت إن "الموت لا يُخيفهم"، مضيفا "إننا إزاء أزمة فعلية، فنحن نعيش أمواتا في خضم بيئة لا تجد مبررات معيشتها". ويوضح ضياء "تجربتنا التي كانت في مفاعل تموز أو أي تجربة أخرى هي بمثابة استكشاف للموت، حيث ندشن حالات الغضب التي تتمركز ضمن قوالب القتل العشوائي الحاصد لنا". شاعر يقرأ قصائدهفي سيارة إسعاف(الجزيرة) ويؤكدالشاعر"نحن لا نخشى اليورانيوم ولا نخشى الموت، فعلى الشاعر أن يقول كلمته في أي ظروف كانت رغم الأسباب الكثيرة التي تعرقله". ويردف ضياء "إننا موجودون رغم تسميتنا بالعالم الثالث.. يا أيها العالم كفى قتلا". بدوره، يقول الشاعر وسام علي في حديث للجزيرة نت "ما نهدف إليه هو صدمة للمقابل عن طريق تجاهله أولا وفعل المختلف ثانيا، ثم أن نكون جزءا مما نكتب ونفكر، ثم نحاول أن لا تكون هناك نمطية من نوع محدد للعمل بشكل عام".