انشغلت النخب الدينية والفنية العثمانية في مراحل من القرن السابع عشر بالخوض في العلاقة الجدلية بين الفن والدين، وكانت من أغنى الفترات التي شهدت جدلاً امتد إلى الفقه والسياسة والمجتمع. ولم يصل من سياق تلك الجدالات في تلك الفترة أي توثيق محكم إلى العربية سوى ما تضمنته رواية «اسمي أحمر» لأورهان باموك الذي طرح مسألة الصراعات الفكرية التي سادت حول مفاهيم التغريب عبر الرسم وفنون الزخرفة والتذهيب. بقيت المدرسة الفنية التقليدية متمسكة بتحريم تصوير ملامح الوجوه، وتحديداً العيون، إضافة إلى معارضة استحداث أساليب الرسم والتصوير على غرار السائد في أوروبا وإيران. واستمدت هذه المدرسة قوّتها من الفتاوى الدينية (السلطة) قبل أن تتلاشى لاحقاً. وها إن فناناً روسياً مسلماً يعيد تجسيد المدرسة التقليدية العثمانية خلال مهرجان الرسوم الجدارية في اسطنبول الذي انطلق قبل أيام، بمشاركة عشرة فنانين من تركيا وإسبانيا والولايات المتحدة وروسيا. وتعرض الجداريات بالتتابع الزمني لكل فنان وفي أماكن مختلفة من المدينة. لا يعتمد رستم كبيك على فتوى حاضرة تمنع رسم الوجوه، بل يفعل ذلك عن اقتناع وإيمان، التزاماً بما نقل له عن حدود المسموح والممنوع في الرسم وفقاً للشريعة. يقول كبيك لـ «الحياة» أن مسيرته مع رسم شخصيات بلا رؤوس بدأت قبل سنتين، حين فهم أن رسم الوجوه محرّم، فاستأنف مسيرته الفنية مجدداً بأسلوب مبتكر: أجساد بلا رؤوس. تعتبر جدارية «المعجزة» واحدة من أجمل لوحاته التي رسمها في حي كاديكوي في اسطنبول، وتمثل امرأة تجلس وسط حديقة محاطة بالزهور وتحمل جنيناً في بطنها. لم يرسم كبيك رأس المرأة، بل وضع محله وردة كبيرة. «هذه المرأة تمثل قصة زوجتي... إنها حامل الآن»، كما يقول كبيك، المتحدر من الأقلية التتارية المسلمة في روسيا. استغرق رسم جداريته الضخمة سبعة أيام، مستخدماً الفرشاة وألواناً غير سميكة على الجدار، ويتجمّع يومياً أمامها العديد من محبي الفن لالتقاط الصور. ويرفض كبيك تجسيد الرأس كلّياً وليس مجرد تفصيل محدّد فيه كالعينين. لكن الطابع السوريالي للوحاته، بوضع شجرة أو مربع هندسي بدل الرأس، يجعل أسلوبه متفوقاً على نتاجات فنانين متحررين من كل القيود في أعمالهم، وكأنه يعيد الاعتبار إلى أصوليي المدرسة الفنية العثمانية الذين تجرّعوا الهزيمة في النهاية أمام أتباع المدارس الفنية الغربية.