اللقب الذي أُطلق على سُولْميز الطبيب التركي الذي أجرى آلاف العمليات المتعلقة بزراعة الأعضاء بشكل غير قانوني هو فرنكشتاين، وهو بالتأكيد أقل من استحقاقه، رغم ما يعنيه هذا الاسم من إثارة الرعب. إنه دراكولا مصاص الدماء أو بروكوست الإغريقي قاطع الطريق الذي كان يبتر سيقان ضحاياه، فهو نكث أولاً بقَسم أبو قراط، والذي قد يكون مُعلقاً على جدار عيادته التي تحولت إلى كمين. فهل بلغت اللامبالاة في عصرنا إلى هذا الحد الذي يتحول فيه حتى الطبيب إلى تاجر أعضاء بشرية؟ والأنكى من ذلك أن شريكه في تجارته السوداء يهودي هرب إلى تل أبيب، ولم يُحاكم لأن ما اقترفه من جرائم كان خارج الكيان، رغم أن إحدى ضحاياه فتاة فلسطينية من المناطق المحتلة عام 1948! فرنكشتاين أو دراكولا أو بروكوست هو من إفراز حقبة في التاريخ تساقطت فيها منظومة القيم كما لو أنها كِلْس كان يغطي جدار قلعة قديمة! وليس الطبيب فقط هو دراكولا عصرنا الواقعي، فالمهندس الذي يغش في بناء جسر أو عمارة هو أيضاً دراكولا، لأنه لم يفكر لحظة بالأُسر التي تسقط في قبر جماعي تحت الأنقاض، وكان أحد الفلاسفة القدماء قد قال عبارة تستحق أن نستذكرها في هذا السياق، وهي أن هناك أزمنة تسود فيها اللامبالاة وتنهار فيها منظومة الأخلاق، بحيث تفرض على الناس أن يُفاضلوا بين الكفاءة والنزاهة لصالح النزاهة، رغم ما ينتج عن هذه المُجازفة من أخطار. هذه السلالة الفرنكشتاينية تشمل سماسرة دم وتجار حروب ولصوص أعضاء بشرية. لم تعد نسبتهم قليلة ما يُجزم بأن ما كان استثناء تحول إلى ظاهرة، وأن عصر الشك كما سماه ويلسون، وعصر اللامبالاة كما سماه الروائي مورافيا قد يُدشن حقبة من التاريخ يكون الإنسان ضحيتها، وهذا ما يحدث الآن. آلاف القتلى يومياً في البؤر الملتهبة يتحولون إلى أرقام، ولا أسماء لهم أو صفات، وما من أحد يتذكر أيتامهم وأراملهم! ومن قالوا ذات يوم إن الدم لا يتحول إلى ماء كانوا متفائلين بمستقبل أحفادهم. والحقيقة الآن هي أن الدم أصبح أرخص من الماء، وقد يظفر الحيوان في بعض الأماكن بحقوق لا يحلم بها ثلاثة مليارات جائع ومريض ومشرّد! ومن امتصوا دماء من وُلدوا في توابيت على امتداد الجغرافيا المنكوبة، يذهبون الآن إلى ما هو أبعد وأشد توحشاً وهو الإتجار بالأعضاء البشرية كما لو أنها قطع غيار معدنية أو مسامير!