90 عاماً لم تكسرْ الحلم، أو تخدش بريق لحظة النجاح في أعينهما، أو تجعلهما يغرقان في دوامة الماضي العتيق... 90 عاماً ولم يجف نبع الحماس المتدفق في خلايا الزوجين الأميركيين من أصل ياباني جورج وميكو كايهارا، وها هما يحققان هدفهما في الحصول على شهادتي تخرج فخريتين، من المدرسة الثانوية بولاية كاليفورنيا الأميركية، في هذه السن المتأخرة! فبعد أن اقتلعتهما الحرب العالمية الثانية من المدرسة، واعتقلا في معسكر تابع للحكومة الأميركية، ثم بعد ذلك بأكثر من نصف قرن، أعادهما الشغف والحلم إلى السعي لشهادة التخرج. فكهولة العمر لم تخمد نار الحماسة للعلم، والاستزادة من المعارف، لأن ذلك لا يعمل على الابتعاد عن حالة الجمود فقط، إنما يجعل الحياة أكثر متعة وبهجة.. هكذا تكون الأرواح الشابة! إن الحفاظ على النشاط العقلي، وتنمية عمله، لا يقلان أهمية أبداً عن الاستمرار في الحفاظ على حياة الجسد، فإذا كانت لنمو الجسد حدود، فالعقل يفوق كل التوقعات في تطوره ونموه، والإنسان يهرم حقاً عندما يتوقف عن التعلم والتقدم. الشغف هو الذي يحمل النفوس إلى القمة، فيقومون بأكثر مما هو مطلوب منهم، بل يبذلون كل طاقتهم لتحقيق هدفهم، ففي داخل كل منا مَعين لا ينضب من القوة والتصميم لجعل حياتنا أفضل في كل لحظة نحياها، لكن قلة يعلمون ويفعلون، وهؤلاء هم الذين تتميز حياتهم بالعطاء والحيوية حتى آخر لحظة في أعمارهم، فلا يستسلمون للموت، بل يؤمنون بالحياة وبأهمية استغلال كل لحظة فيها. لذا فإن الفشل لا يكسر نفوسهم، والزمن لا يفترس عزيمتهم، وأرواحهم تحلق دائما في سماء أهدافهم، لا تعرف الهبوط والانزلاق. هناك العديد من المتميزين الذين حاربوا الجمود، ونجحوا في مجالات متعددة، ولم يستسلموا لشبح العمر، فعطاؤهم تجاوز أعمارهم، كـ»سيف الإنسانية» مانديلا الذي دفع جزءاً كبيرا من حياته حوالى 62 عاماً من أجل بناء وطن يؤمن باحترام الإنسان ويمقت البربرية، ولم يتوقف عن النضال من أجل الحرية والمساواة حتى آخر لحظة في عمره الطويل، أيضا هارلند دافيد ساندرز، المعروف بـ «كنتاكي» الذي ترمز صورته لأشهر محلات الدجاج المقلي في العالم، وقد اشتهر بعد رحلة كفاح وصراع مع الفشل والإخفاقات المتكررة، والتي لم تثمر وتزدهر إلا بعد عامه الـ 65، بل كانت هذه السن نقطة انطلاقته للحياة التي سعى لها طوال عمره، ليكون من أغنى وأشهر الشخصيات في العالم. وهناك العديد ممن أحبوا الحياة فأحبتهم، وشغفوا بعطائها فوهبتهم كل جميل في بستانها، فأقدموا بكل حماس وكتموا صوت اليأس. فهنيئاً للزوجين جورج وميكو كايهارا على شهادة تخرجهما، ولكل من يحتذي بهما، فلا يستسلم لشيخوخة النفس، لا في ريعان الشباب، ولا في خريف العمر! «ليس الموت أكبر خسارة في الحياة، فأكبر خسارة هي ما يموت بداخلنا ونحن مازلنا أحياء» (نورمان كازنز). * كاتبة كويتية Amal.randy@yahoo.com