دخلت «الخلافة الإسلامية» التي أعلنها «داعش» عامها الثاني أمس، وتطرق عملياتها الدموية أبواب دول أخرى كان آخرها تونس والكويت وفرنسا، حيث قتل الجمعة عشرات المدنيين في اعتداءات تبناها التنظيم. في 29 حزيران (يونيو) 2014، أعلن التنظيم «الخلافة الإسلامية»، رافعا «راية التوحيد من حلب، شمال سورية، إلى ديالى، شمال شرقي العراق»، وواعداً بأنها «باقية وتتمدد». وفي الذكرى الأولى لهذا الإعلان، يواصل التنظيم عملياته العسكرية التوسعية في البلدين، من دون أن تنجح الهجمات الجوية التي يقودها ائتلاف دولي بقيادة أميركية ضده في وقف زحفه نهائياً أو تحطيم قدراته. في تونس، غادر آلاف السياح الأجانب البلد في نهاية الأسبوع غداة هجوم على فندق في ولاية سوسة (وسط شرق) تبناه «داعش» وأسفر عن قتل 38 شخصاً بينهم 15 بريطانياً على الأقل. وأثار الاعتداء صدمة في بريطانيا ودول غربية عدة تتخوف من تكرار الاعتداءات. وفي الكويت، التي بقيت في منأى إجمالاً عن الاضطرابات التي تهز المنطقة، تبنى التنظيم في اليوم نفسه تفجيراً انتحارياً في مسجد شيعي سقط ضحيته 26 قتيلاً و227 جريحاً. وفي فرنسا، تبدو أساليب «داعش» واضحة في الجريمة التي نفذها ياسين صالحي الجمعة أيضاً بقطع رأس رب عمله وتعليقه على سياج ثم محاولة تفجير مصنع للغاز، وإن كان التنظيم لم يتبن العملية. ويقول الباحث في مركز كارنيغي في الشرق الأوسط يزيد صايغ «من غير الواضح إذا كانت هذه العمليات مخططاً لها في شكل مركزي أو منسقة من تنظيم الدولة الإسلامية»، لكنه يتخوف من «بداية حملة طويلة ينفذها عناصر في التنظيم أو أنصار له تدربوا في سورية وأرسلوا إلى بلادهم مجدداً لاتخاذ مبادرات في شان التخطيط أو تنفيذ اعتداءات بناء على قدراتهم ومواردهم والفرص التي تتاح لهم». وخلف العام المنصرم تركة ثقيلة على صعيد الخسائر البشرية وانتهاكات حقوق الإنسان في سورية والعراق، فخلال سنة توسعت رقعة وجود التنظيم في البلدين، وبات يسيطر على حوالى نصف الأراضي السورية وثلث الأراضي العراقية، وعلى مساحة إجمالية تقارب 195 ألف كيلومتر. وهو يفرض على هذه المناطق قوانينه وتشدده في تطبيق الشريعة الإسلامية مستخدماً أساليب وحشية لإثارة الخوف والإخضاع. وفي تقرير أورده المرصد السوري لحقوق الإنسان الأحد، ذكر أن «داعش» نفذ منذ إعلانه إقامة «الخلافة»، 3027 عملية إعدام في سورية طاولت 1787 مدنياً بينهم 74 طفلاً، ذبحاً أو صلباً أو رمياً بالرصاص أو إلقاء من شاهق أو رجماً أو حرقاً. كما قتل آلاف آخرون في المعارك التي خاضها التنظيم على جبهات عدة ضد الجيش أو مقاتلي المعارضة أو المقاتلين الأكراد. وكان آخرهم 223 مدنياً كردياً قتلوا على يد التنظيم في 48 ساعة الأسبوع الماضي في منطقة كوباني في محافظة حلب (شمال) «بالرصاص أو الأسلحة البيضاء». في العراق، لا يوجد إحصاء لعدد ضحايا التنظيم، إلا أن العمليات الانتحارية تتوالى في شكل شبه يومي حاصدة مزيداً من الخسائر البشرية والدمار، بينما تجد القوات الحكومية صعوبة بالغة في استعادة مناطق خسرتها في فترة قياسية. ويقول زيد العلي، مؤلف كتاب «النضال من أجل مستقبل العراق»، إن الجيش على رغم من الدعم الأميركي الذي يحظى به في التسليح والتدريب، «ما زال يفتقر إلى هيكلية قيادية واضحة». ويضيف: «يفترض أن لدى بغداد ما يكفي من القوات للدفاع عن كل أراضيها، لكن من الواضح أن هذه القوات لا تتلقى جميعها أوامرها من بغداد. بعضها يتصرف على هواه، وبعضها يأخذ أوامره من جهات أخرى». ويشير بذلك إلى التقارير التي تحدثت عن فساد في صفوف القوات العراقية وولاء خصوصاً لدى الميليشيات المقاتلة إلى جانبها لإيران مباشرة أكثر منه للحكومة. ولا تبدو الحملة الدولية ضد الجهاديين فاعلة، ولو أنها تسببت بقتل الآلاف منهم وساهمت في طردهم من مناطق أساسية، مثل كوباني وتل أبيض في سورية وتكريت وديالى في العراق. ويقول يزيد صايغ إن «التعبئة الدولية ضد داعش هي بالحد الأدنى. كذلك حجم المساهمة العسكرية والمالية والسياسية الدولية في محاربة التنظيم. لا يمكنهم أن يفعلوا أكثر من هذا، لأن إعادة 150 ألف جندي أميركي إلى أرض المعركة أمر غير وارد». بالإضافة إلى ذلك، تبقى «أسباب قيام داعش موجودة»، بالنسبة إلى صايغ الذي يعددها بأنها «فشل الدولتين العراقية والسورية والانقسام الطائفي فيهما والفساد وعقود من النظام السلطوي». في سورية، تشعب النزاع والجبهات، وليست القوات الحكومية هي الطرف الوحيد المقاتل ضد «داعش»، ولا أفق للحل السياسي بعد أربع سنوات من حرب مدمرة أوقعت أكثر من 320 ألف قتيل. أما عن العراق، فيقول باتريك سكينر، الضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، الخبير في مجموعة «صوفان» الاستشارية: «تطلب الأمر عشر سنوات ليصل العراق إلى هذا الدرك من السوء. وسيتطلب الأمر وقتاً مماثلاً ليبدأ بالتحسن، في حال بقي البلد على شكله (السياسي والجغرافي) الحالي».