نظم اتحاد كتاب وأدباء الإمارات في الشارقة مساء أمس الأول في قاعة أحمد راشد ثاني أمسية للدكتور محسن جاسم الموسوي أستاذ الأدب العربي المقارن في جامعة كولومبيا في نيويورك تحدث فيها عن كتابه الجديد (جمهرة الآداب في العصر الإسلامي والوسيط، البنية العربية للمعرفة) نسف من خلالها أسطورة أدب الانحطاط والعصور المظلمة. والكتاب صدر باللغة الإنجليزية ويصفه د. حميد دباشي بأنه تتويج عميق لجهود د. الموسوي المعرفية التي توالت تباعاً منذ عام 2000 وهو يعنى بالأدب خلال الفترة من القرن الثاني عشر إلى الثامن عشر الميلادي ويغطي آداب المساحة الممتدة بين الصين وبغداد ودمشق ومراكش والأندلس. أدارت الأمسية وعرفت بالمحاضر وبمؤلفاته الشاعرة الهنوف محمد عضو مجلس إدارة الاتحاد. والكتاب حظي بثناء وإشادة الكثير من الأكاديميين في الغرب، منهم: البحاثة لي كو وروجر ألن وسوزان ستتكيفتش، حيث قال ألن هذا الكتاب لا بد منه لتكذيب أسطورة (العصور المظلمة) و(عصور الانحطاط) التي صادق عليها دعاة النهضة، وقالت سوزان ستتكيفتش إنه يضع اللبنات الأساسية لأي مجهودات تالية للبدء مجدداً في قراءة تلك الفترة ومنتجها المعرفي. بين د. الموسوي أسباب اختياره لهذا الموضوع معللاً ذلك بأن الدارسين العرب والمستشرقين نفضوا أيديهم عنه وتعاملوا مع نتاج المعرفة في هذه الفترة كركام ومخلفات عصر تدهور وانحطاط، فرأى تجاوز هذا الطرح، الذي حال دون التمعن في المنتج الثقافي وقاد إلى شطب تاريخ كامل، من دون تدقيق أو تمحيص، وقال: رأيت أن التسمية التي نالتها تلك المرحلة ومنتجها المعرفي جاءت في نهاية القرن التاسع عشر عندما أخذ المستشرق ومعه الدارس العربي يطمئن إلى آليات التفكير التي أخذت بها أوروبا في عصر التنوير، وهي آليات تقوم على ثنائية (العقل والخرافة)، فهي من جهة عصر التنوير والذي كان يرفض العصور الأوروبية الوسطى، ومن جهة النهضويين العرب، كانت تقليداً لهذا الرفض ومثالاً يحتذى لا سيما مع سقوط مركز الخلافة في بغداد وأفول نجم السياسة المركزية العربية. وأكد د. الموسوي ملاحظة مهمة انطلق من خلالها إلى رفض فكرة تلازم التدهور السياسي مع الانهيار الأخلاقي، وهو ما يتفق مع نظرة المؤرخ ابن خلدون الذي جمع بين العلوم الاجتماعية والوعي التاريخي على أساس جدلي، وهو من القلة الذين لم يقرنوا بين السقوط أو الأفول السياسي بوصفه حتمية للانهيار الثقافي، فكلاهما له خطه المتباعد عن الآخر، ومثال ذلك حين التقى ابن خلدون تيمور لنك خلف أسوار دمشق، استخدم هذا اللقاء لتعزيز نظرته للتاريخ، ولاحظ كيف أن قادة المغول يشاركون عصبتهم ما يملكون وما يأكلون، وعرف من ذلك سر قوتهم وانشدادهم بعضهم للآخر، وهو الشيء ذاته الذي فعله هولاكو عندما غزا بغداد، وقال د. الموسوي رغم المأساة الحضرية والسياسية التي أصابت المشرق العربي، ودولاً أخرى اجتاحها المغول، لكنّ الثقافة أخذت مسارات خطيرة مما يبرر القول بوجود أجواء نشطة من الجدل والحوار والتراسل والفن. وانتقد د. الموسوي الدارسين العرب منذ جورجي زيدان، الذين وصفوا ثقافة تلك المرحلة بأنها ثقافة (الشروح والحواشي)، مؤكداً أنهم حتى لم يروا الجانب المضيء في هذه الشروح والحواشي قائلاً: الشرح يعني تلبية لحاجة القراء لهذه الشروح، أما الحاشية فهي فن فريد في حينه، شأنها شأن الهوامش التي ترافق البحث الأكاديمي في القرن العشرين، فالهامش، شأن الحاشية، ليس فائضاً، بل يأتي مكملاً للنص. وعدد د. الموسوي ميزات كثيرة من أجواء تلك المرحلة، التي وصفت بالمظلمة، ومنها ظهور المعاجم الكبرى والموسوعات المعرفية وازدياد نزعة تحقيق النص الشعري ودراسته، وظهور السيرة الذاتية، وتميز ذلك العصر بالحوار الجاد بين الفلاسفة والفقهاء والعلماء، وبروز الظاهرة البديعية في الشعر وتنامي أدب الرحلة. وتحدث د. الموسوي عن مسوغات عنوان كتابه (جمهرة الآداب) بوصفه يناقش سبل التواصل والاتصال والتي انتعشت بفعل الحج والأسفار وزوايا المتصوفة والمدارس والمساجد، معدداً الكثير من الكتب الفلسفية والفكرية التي صدرت في ذلك العصر.