دنفر: جاك هيلي في واحدة من المدارس الفقيرة في سان لويس فالي، التابعة لولاية كولورادو الأميركية، يتلقى الطلاب دروسهم في مرأب سيارات، حيث يستخدمون أغطية بلاستيكية تحجب عنهم أدخنة العادم. وتعاني مدرسة أخرى من قلة الموارد المالية التي تحتاجها لتعليم المهاجرين الشباب أبسط قواعد القراءة. أما في جنوب دنفر، فواحدة من بين كل أربع رياض الأطفال لا تجد لها مقرا ثابتا، وسرحت عشرات العاملين بها وبصدد تسريح جزء آخر. وعلى مدى عقود طويلة، بذلت الكثير من المدارس من هذا النوع مجهودا كبيرا حتى تستطيع مجاراة جيرانها الأكبر والأغنى. لكن كولورادو ستجد حلا لتلك المشاكل عندما تقدم على الخطوة الأكثر طموحا في تاريخ البلاد، والتي ستشهد الكثير من الإصلاحات الجذرية على مستوى التعليم، وذلك من خلال إجراء استفتاء تستحث فيه الناخبين على التصويت لصالح زيادة قدرها مليار دولار في الضرائب من أجل توفير تمويل أكثر للمدارس، بالإضافة إلى مجموعة من الإجراءات المرغوب في تحقيقها في حقل التعليم. أشعلت تلك الخطوة جدلا واسعا في الولاية التي مررت منذ عقدين واحدا من أكثر القوانين تشددا في ما يخص الضرائب والإنفاق. ويأتي هذا التحرك كأحدث اختبار لقدرة الديمقراطيين على إقناع الناخبين على التصويت لصلح فرض المزيد من الضرائب عن طريق ربطها بتوفير تمويل للأغراض التعليمية. وتتدفق الكثير من الأموال القادمة من المنظمات الخيرية على الولاية. فقد منح عمدة نيويورك، مايكل بلومبيرغ، الذي أنفق مئات الآلاف من الدولارات على دعم الجهود الرامية إلى السيطرة على انتشار السلاح بين المواطنين، مبلغ مليون دولار للحملات التعليمية، على غرار ما تقدمه مؤسسة «بيل ومليندا غيتس»، وهي من أكبر المنظمات الخيرية النشطة في مجال التعليم العام. كما أسهمت نقابات المعلمين بما لا يقل عن أربعة ملايين دولار، وتبرعت الجماعات المؤيدة للعمال بالآلاف أيضا. سيطلب الاستفتاء من الناخبين استبدال معدل الضرائب البالغ 4.6 في المائة الذي لم يتغير منذ فترة طويلة بنظام ضرائب مزدوج. وبموجب النظام الجديد، يدفع المواطنون، الذين يحصلون على دخول أقل من 75.000 دولار، 5 في المائة، بينما يدفع المواطنون، الذي يحصلون على دخول أكثر من 75.000 دولار، 5.9 في المائة. وتصف الإعلانات المؤيدة للاستفتاء على نظام الضرائب الجديد، المعروف بالتعديل 66، بأنه «تغيير كبير.. تكلفة أقل». ويطلب التعديل أيضا من الولاية أن توجه 43 في المائة من ميزانيتها للمدارس، وهو ما يضع نهاية للنظام الحالي الذي يربط الزيادات بارتفاع معدل التضخم. ويقول المؤيدون لخطوة زيادة الضرائب إن ذلك التحرك سوف يوفر الموارد المالية الكافية لإحداث ثورة تعليمية على مدى جيل كامل. أما المعارضون، بمن فيهم الجماعات المعارضة للضرائب والسياسيون الجمهوريون، فيقولون إن تلك الخطوة من شأنها أن تضيف المزيد من الأعباء الضرائبية على الأسر المطحونة والشركات، من دون أن توفر ضمانا حقيقيا لتحقيق مستوى تعليمي أفضل. ويُقر حاكم ولاية كولورادو الديمقراطي، جون هيكنلوبر، وهو من أكبر الشخصيات المؤيدة للاستفتاء، بصعوبة تلك الخطوة قائلا «إنها صفقة شديدة الصعوبة». وبحسب بيانات صدرت عن صحيفة «Education Week»، أنفقت ولاية كولورادو نحو 9.306 على تعليم الطالب الواحد في عام 2010، وهو ما جعلها تأتي ضمن الولايات العشر الأقل إنفاقا على التعليم في البلاد. وإجمالا، صنفت الصحيفة نظام التعليم في الولاية بأنه أقل من المعدل القومي بقليل. التعديل 66 سيلزم دور رياض الأطفال في أنحاء الولاية بتطبيق نظام اليوم التعليمي الكامل. كما سينص على تخصيص مبلغ محدد للطلاب الذين لا يتحدثون اللغة الإنجليزية، أو الذين يعاونون صعوبات تعليمية أو أولئك الذين ينتمون إلى أسر فقيرة. وسوف يخصص التعديل مبالغ مالية إضافية لما يُعرف بـ«المدارس المستقلة» (charter schools)، وكذلك الأحياء الفقيرة التي لا تستطيع جمع ضرائب عقارية لشراء الحواسيب أو توفير مرتبات المعلمين. كما سيسمح هذا الإجراء للمواطنين بالدخول على الإنترنت للتعرف على كيفية إنفاق المدارس لكل دولار من المخصصات المالية، وهي الخطوة التي يعلق عليها هيكنلوبر بقوله «شفافية كاملة في كل مدرسة، وهذا ما لم تفعله أي ولاية قبل ذلك». وقد ساعدت فكرة زيادة الموارد المالية لكل المدارس على توحيد معسكرين يدور بينهما صراع دائم، هما نقابات المعلمين وحركة المدارس المستقلة. لكن غالبية المؤسسات التجارية انقسمت إلى فريقين، أحدهما ظل على الحياد والآخر حذر من انعكاسات زيادة الضرائب على المستثمرين الصغار وإمكانية توفير مزيد من فرص العمل. أما غالبية الجمهوريين فقد اتخذوا موقف المعارضة، وبدوا حريصين على عدم تمرير هذه الزيادة الكبيرة في الضرائب، وكذلك إنزال هزيمة سياسية مذلة بالسيد هيكنلوبر، الذي يسعى لإعادة انتخابه مرة أخرى العام المقبل. وتبدو المعارضة وقد خارت قواها، فحركة كلوراديون من أجل إصلاح حقيقي للتعليم، المعارض الرئيس للإجراء، جمعت حتى الآن 24.400 دولار بحسب إحصائيات رسمية تصدرها الولاية من حملات جمع التمويلات. جُل هذا التمويل يأتي من معهد الاستقلال (Independence Institute) وهو مجموعة بحثية حرة مقرها في دنفر. كما يعارض البعض في مدارس الأحياء الراقية إجراءات التمويل الجديدة التي من شأنها أن تساعد في ضخ المزيد من الأموال في شرايين المدارس الفقيرة والمدارس التي تتعرض لخطر وقف نشاطها. ويقولون إن تلك الإجراءات التي يُراد بها تقليل عدم التوازن بين المدارس الغنية وتلك الفقيرة سوف تؤدي إلى خلق مزيد من التفاوتات. يصف دوغ بنفينتو، عضو مجلس إدارة مدرسة في مقاطعة دوغلاس المحافظة وأب لطالب في الصف الثالث وآخر في رياض الأطفال، الإجراء بقوله «إنها صفقة سيئة»، مضيفا «سوف تغادر 100 مليون دولار المقاطعة، سيتم استرجاع 50 مليون منها بالكاد». وفي ولاية كاليفورنيا العام الماضي، استطاع حاكمها الديمقراطي جيري براون أن يمرر استفتاء يستطيع من خلاله أن يجمع الضرائب بشكل مؤقت للمرة الأولى منذ عام 2004 من خلال اختلاق فكرة أن الزيادة المتوقعة في الضرائب البالغة 6 مليارات دولار سوف تسهم في إنقاذ المدارس العامة في كاليفورنيا التي تعاني من عجز في التمويل. لكن في حالة كولورادو، ربما يتوقف الأمر على أي فكرة سوف يخرج الناخبون للإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء. هل هي كولورادو التي قننت الماريغوانا، ودعمت التحقيقات الموسعة عن مبيعات الأسلحة، وصوتت مرتين لصالح أوباما في الانتخابات الرئاسية؟ أم كولورادو التي أزاحت في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي اثنين من النواب دعما قوانين جديدة لمراقبة تداول الأسلحة؟ ويعلق مايك جونسون، النائب الديمقراطي عن ولاية كولورادو من شمال غربي دنفر، وهو مقدم هذا الإجراء التعليمي، على الإجراء بقوله «الفوز مضمون، لكنه سيكون بأغلبية أصوات قليلة»، مضيفا «هناك الكثير من علامات الاستفهام المتعلقة بهذا الأمر»؛ منها ما يتعلق بقوانين الانتخابات التي تسمح للناخبين بتسجيل أصواتهم قُبيل يوم التصويت بقليل. ومع اقتراب يوم التصويت، رصد المؤيدون 10 ملايين دولار لتشجيع أولئك الناخبين الذين ربما لا يذهبون إلى صناديق الاقتراع في العام الذي لا تكون فيه أي استحقاقات انتخابية. وتشهد محطات الإذاعة والمراكز الاجتماعية مناقشات ومناظرات بين المؤيدين والمعارضين. ويتطوع الكثيرون للذهاب إلى المنازل لتوزيع المنشورات على المواطنين، كما انقسمت الصحف إلى مؤيدين ومعارضين، وامتلأت شاشات التلفاز ومحطات الإذاعة بالإعلانات التي تؤكد أن كل زيادة في الضرائب بمعدل 133 دولارا من كل منزل سوف توفر التمويل لمساعدي معلمين جدد وتوفر فصولا تعليمية فنية ولياقة بدنية إضافية، كما ستساعد في توسيع مراحل التعليم في الطفولة المبكرة التي شهدت ميزانياتها انكماشا كبيرا بسبب الركود. أما المعارضون فيقولون إنهم يخشون ألا تستخدم المدارس الأموال في دفع رواتب المعلمين أو تقليل أعداد الطلاب في الفصول، بل لمواجهة تكاليف المعاشات المتزايدة. لكن جورج ولش، المشرف على مركز المدارس الحكومية الواقع في جنوب كولورادو، يقول إن الأموال الجيدة ربما تسهم في تلافي خيارات أشد صعوبة، مضيفا أن الاقتطاعات الأخيرة أدت إلى انخفاض كبير في الميزانيات، مما أجبر الأحياء على تقليل برامج التعليم المهني في المدارس الثانوية وزيادة أعداد الطلاب في الصفين الرابع والخامس إلى 30 طالبا. أما مجال تعليم الفنون اليدوية فقد توقف، كما أنه وبعد استنفاد المنحة الفيدرالية، لم يعد الحي قادرا على توفير دروس القراءة لكل الطلاب الراغبين. إذا تمت الموافقة على الإجراء فسوف يستطيع الحي بذلك أن يجمع 2.413 دولارا إضافيا لكل طالب، أو ما يساوي 32 في المائة زيادة على المبلغ الحالي 7.523 دولا. أما إذا فشل فربما تضطر الولاية إلى خفض أكثر للموارد المالية الموجهة للتعليم، بحسب السيد ولش، الذي يضيف «الأمر ببساطة أننا لا نمتلك نحن الأموال». * خدمة «نيويورك تايمز»