بدأت وزارة الأوقاف المصرية تحقيقات موسعة في انتشار إقامة الطقوس الشيعية في مساجد بعدة مدن مصرية، بحسب مسؤول مصري رفيع في وزارة الأوقاف. وتحدثت مصادر مطلعة عن أن هذا الانتشار «المريب» خلال الفترة الأخيرة بدأ يثير قلق شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، مما دفع الإمام الأكبر إلى تخصيص حلقات برنامجه التلفزيوني الذي يقدمه بشكل سنوي خلال شهر رمضان للتحذير من الحملة المحمومة التي تستهدف استمالة الشباب للمذهب الشيعي. وقالت المصادر إن «الطيب جدد تحذير أساتذة جامعة الأزهر ودعاة وأئمة وزارة الأوقاف من السفر إلى إيران نهائيا.. هذا يعد أحد القرارات غير الرسمية في مشيخة الأزهر». وأرجعت المصادر الحملة التي يقودها الأزهر ضد الشيعة في مصر إلى «كثرة الهجوم الشيعي الذي تحول إلى تدخل في شؤون الدول العربية وإلى قضايا سياسية وأفضى إلى نشوب اقتتال داخلي في عدد من الدول التي أصابتها حمى الطائفية البغيضة». يأتي هذا في وقت قال فيه مسؤول في وزارة الأوقاف، وهي المسؤولة عن المساجد في البلاد، إن «الوزارة تحقق الآن في وقائع ممارسة شيعة لطقوسهم في بعض المساجد بمدينة 6 أكتوبر بالجيزة والمرج (شرق القاهرة) والإسكندرية والبحيرة»، لافتا إلى أنه «تم التنبيه على أئمة المساجد رسميا بمنع أي طقوس شيعية وعقد ندوات تثقيفية للشباب لتصحيح المغالطات وإيضاح الأهداف السياسية التي تقف خلف محاولات نشر المذهب الشيعي في مصر». وقال الدكتور الطيب في برنامجه الذي يذاع يوميا على الفضائية المصرية، أمس، إن «العصمة عند أهل السنة مقصورة على الأنبياء فقط ولا تتعداهم إلى أي فرد من الأفراد، أما عند الشيعة فالعصمة ليست مقصورة على الأنبياء؛ بل هي ثابتة أيضا عندهم للأئمة الشيعة، كما أن أهل السنة يقولون بعصمة الأمة بمعنى أنها إذا اجتمعت على أمر أو حكم ما فإن هذا الأمر غير قابل للطعن فيه ويجب قبوله، ومن هنا عد الإجماع المصدر الثالث من مصادر التشريع بعد القرآن الكريم والسنة النبوية». ويفخر المصريون بكون الأزهر الذي يعد أعرق مؤسسة سنية وسطية ويمتد تاريخه لما يزيد على الألف عام لا يزال يدرس المذاهب الشيعية في أروقته. وأشارت المصادر إلى أن وسطية الأزهر الراسخة يجب ألا تستغل لتمرير الفرقة والفتنة في البلاد. وكان شيخ الأزهر أكد أن السنة والشيعة مسلمون ومؤمنون، قائلا «إننا أمة واحدة وأبناء دين واحد، وفي زورق واحد، وهذه قضية لا يجب أن نقترب منها؛ لكن نحن الآن نتحدث عن قضايا مذهبية داخل الإسلام، فمن القضايا المذهبية الفارقة بين السنة والشيعة قضية عدالة الصحابة، فأهل السنة يعتقدون أن الصحابة عدول، والشيعة للأسف الشديد ينكرون هذه القضية ولا يعتقدون أن الصحابة كلهم عدول، وهم يفتحون باب النقد على صحابة النبي (صلى الله عليه وسلم) على مصراعيه، وأحيانا هذا النقد يؤدي بالغلاة والمتطرفين منهم إلى الجرأة على تكفير صحابة الرسول (صلى الله عليه وسلم).. وهذه من المصائب الكبرى التي حلت بالمسلمين». وطالب الأزهر بشكل صارم المرجعيات الشيعية في العراق وإيران في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بإصدار فتاوى صريحة تحرم بشكل قاطع سب الصحابة وأمهات المؤمنين ورموز أهل السنة، وبالتوقف عن محاولات نشر المذهب الشيعي في البلاد السنية. وبالتوازي مع الحملة التي يقوم بها الأزهر ووزارة الأوقاف للتصدي إلى نشر التشيع، تكثف ائتلافات وجمعيات غير رسمية في مصر من فعالياتها الثقافية ضد الشيعة، ويقول منسق ائتلاف الدفاع عن الصحابة وآل البيت، وليد إسماعيل، لـ«الشرق الأوسط»، إن «هناك نشاطا ملحوظا للشيعة ومرصودا من قبل جميع التيارات التي تعرف حقيقة وجود مخططات دولية لتمويل وتقوية مجموعات شيعية تعمل على نشر التشيع بين الشباب وتعمل على استقطابهم في القاهرة والمحافظات». ولا يوجد حصر دقيق لأعداد الشيعة في مصر؛ لكن محمد الدريني، إحدى أبرز الشخصيات الشيعية، يزعم أن عددهم يبلغ 3 ملايين. أما المصادر غير الرسمية في مصر فتشير إلى أن أعدادهم لا تزيد على 18 ألفا فقط. وقبل 12 عاما تقدم بعض الشيعة بطلب إلى السلطات المصرية للاعتراف بالشيعة كطائفة دينية رسمية بموجب القانون؛ إلا أن الحكومة لم تقم بالرد على طلبهم، ويقول رئيس التيار المصري الشيعي (تحت التأسيس)، محمد غنيم، إن «الشيعة مصريون أولا وأخيرا.. وأعدادهم قليلة ولا يمثلون خطرا». وظلت العلاقة المتوترة بين الشيعة والمتشددين تحت سطح الأحداث حتى 2013 حين وقعت أحداث مؤسفة في عزبة أبو مسلم بمركز أبو النمرس بمحافظة الجيزة (جنوب غربي القاهرة)، وأدت إلى مقتل 4 أشخاص من الشيعة، بينهم الشيخ حسن شحاتة زعيم الشيعة في مصر، بعد أن قام المئات من أهالي العزبة بضربهم حتى الموت خلال احتفالهم بليلة النصف من شعبان، وعاقبت محكمة مصرية منتصف يونيو (حزيران) الحالي، 23 متهما بالسجن لمدة 14 عاما بعد إدانتهم بقتلهم. من جانبها، قالت مصادر مسؤولة في مشيخة الأزهر بالقاهرة، إنه «لا توجد مشكلة بين الشيعة العرب والأزهر، وعلى رأسهم شيعة سوريا والعراق ولبنان، حيث حضرت رموز شيعية عربية مؤتمرات للأزهر والأوقاف نظرا لوجود قواسم مشتركة»، لافتا إلى أن «الأزهر - وهو محق في ذلك - لديه توجس من الممارسات والدور الإيراني الذي يحول البلاد العربية إلى صراعات سياسية تنتهي بالقتال، فالأزهر جزء من مصر، ومصالح مصر فوق أي اعتبارات». وأضافت المصادر نفسها، أن الأزهر تلقى طلبا من حزب النور (أكبر الأحزاب الدينية الذي يضم دعاة غير رسميين) للتنسيق لإطلاق أكبر قوافل دعوية على مستوى مصر برعاية الأزهر، لمحاربة التشيع والتوسط لدى الدولة للتعاون في هذا المجال. وسبق أن أحال الأزهر أستاذ شريعة للتحقيق لسفره لإيران وزيارته الحوزات الشيعية في مدينة قم الإيرانية في سبتمبر (أيلول) الماضي، ونفى الأزهر وقتها صلته بهذه الزيارة. ولا توجد علاقات رسمية بين مصر وإيران منذ عام 1980، في أعقاب الثورة الإيرانية وتوقيع مصر معاهدة سلام مع إسرائيل، وتعارض التوجهات السياسية لكلا البلدين في منطقة الشرق الأوسط. وسبق أن انتقدت إيران عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، في يوليو (تموز) من العام قبل الماضي، والذي سعى جاهدا لإعادة العلاقات معها، مما أثار ردا عدائيا من القاهرة. لكن طهران عدلت من موقفها، وأرسلت حسين عبد اللهيان، مساعد وزير الخارجية الإيراني، إلى مصر مبعوثا من الرئيس حسن روحاني، للمشاركة في حفل تنصيب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رئيسا للبلاد، العام الماضي.